قصة واقعية في رحاب المسجد الحرام ?
غبتُ عنه عشر سنين، كان آخر عهدي به في مدينة جدة، ونحن في سيارته على شاطئها الأفيح نتهادى مختارات من أبيات الشعر الرائقة، فيغلبني حينًا بحسن اختياره، وأغلبه أخرى بعذب أبياتي،هكذا قضينا الليل إلا أقلَّه في مسامرةٍ وددنا لو أنَّ الليل تمطّى ممتداً
ولم تقف ساعاته. ثم انصرفنا بعد أن ودّعني، ولم يكن يعلم أنَّ ذلك الوداع سيكون آخر عهدي به في جدة ، فقد حملني بساط ريح القدر وطوّح بي إلى نجد العذية ، مستقرًّا في مدينة الرياض.
وفي ليلةٍ من ليالي العشر الأخيرة من رمضان
بينما كنت أتأهّب لأداء صلاة القيام في ساحة الحرم المكي، والمصلّون يحتشدون في الصفوف، إذ بي ألمح من بينهم ( شابًّا تعلوه مخايل الحزن التي فلقت كبده) ، فلا البِشْر بادٍ على وجهه، ولا السرور يرتسم على مُحيّاه، مُطرقٌ برأسه، شَرود الخيال في أودية الهموم.
عبدالله ؟
أهذا أنتَ؟
ألا ما أسرع الأيام
تلك عشر سنين كاملة تصرّمت ،كأن وداعنا كان البارحة!
أهلًا ماجد! ما أطيب هذه المصادفة الجميلة!
فلمّا تعانقنا، أحسست أنّي أعانق رجلًا حيًا لا كالأحياء، وميتًا لا كالأموات، شخصٌ كأنه من أشباح روايات ستيفن كينج، طيفٌ يُشبه البشر في ظِلال جسده،
لكن روحه نادّةٌ في مكان آخر، كانت ذاكرتي تترنح بين ما أذكره من ماضي عبدالله الزاهر الوضّاء، وما أراه من حاضره الموحش القاتم.
ما صنعت بك الدنيا يا عبدالله، كأنك تحمل فوق رأسك من بذور الهمِّ ما يكفي لغرس أشجار الشقاء في قرية كاملة.