- صاحب المنشور: عبد القادر بن عروس
ملخص النقاش:
مع تزايد الضغط الاقتصادي العالمي وتنامي أهمية المستوى التعليمي العالي، تواجه مؤسسات التعليم العالي تحدياً كبيراً يتمثل في الحفاظ على الجودة الأكاديمية رغم الارتفاع المستمر لتكاليف الرسوم الدراسية. هذا التوازن الدقيق بين تقديم تعليم عالي النوعية وبين تحقيق الاستدامة المالية للمؤسسة يعتبر أحد القضايا الأكثر حساسية التي تحتاج إلى تحليل معمّق.
في السنوات الأخيرة، شهدت العديد من البلدان زيادة كبيرة في رسوم الأقسام الجامعية. هذه الزيادة غالبًا ما تكون ناتجة عن عوامل متعددة مثل انخفاض تمويل القطاع العام للتعليم، تضخم النفقات التشغيلية، والتوقعات المتزايدة للقبول والخدمات الأخرى المقدمة للطلاب. بينما يمكن لهذه الأرباح الإضافية أن تساعد المؤسسات في مواجهة تحدياتها المالية، إلا أنها قد تؤدي أيضاً إلى مشكلتين رئيسيتين.
الأولى هي القدرة على الوصول إلى التعليم. عندما ترتفع الرسوم الدراسية، تصبح فرص الحصول على شهادة جامعية بعيداً أكثر بالنسبة للأسر ذات الدخل المنخفض أو الطبقات الاجتماعية الدنيا. هذا ليس غير عادل فحسب، ولكنه أيضا يتعارض مع أهداف المساواة الاجتماعية والاقتصادية الشائعة عالمياً. بالإضافة إلى ذلك، فإن نقص التنويع الاجتماعي داخل الفصول الدراسية يؤثر سلباً على نوعية التعلم نفسه، حيث يشجع البيئات المدرسية الغنية بالتنوع الأفكار الجديدة والمختلفة والتي تعتبر حيوية للتطور الفكري والإبداعي.
الثانية تتعلق بجودة التعليم. بافتراض أن المال هو عامل أساسي لتميز الجودة، فقد يستثمر البعض الكثير لتحسين البنية الأساسية للمباني والأجهزة التقنية الحديثة وغيرها مما يظهر "القيمة" المرئية للمؤسسة؛ ولكن هل هذا يعكس حقائق الواقع؟ البحث العلمي الحديث يدل على أنه حتى وإن كانت هذه الأمور مهمة، فإن العنصر الأساسي الذي يقيم عليه الطلاب قيمة تعليمهم يأتي من الخبرة الشخصية للتدريس والجدارة الأكاديمية للعاملين هناك. بالتالي، إذا كان التركيز الرئيسي للحصول على إيرادات أكبر ينصب نحو بناء مباني جديدة عوضاً عن تطوير أداء المعلمين وتحسين المحتوى التعليمي، فقد يحدث خلل كبير يؤثر مباشرة على مستوى التعلم الذي يحصل عليه الطالب.
ولتجاوز هذه العقبة الصعبة، يجب النظر في حلول متنوعة تستهدف كل جانب من جوانب المشكلة. مثلاً، ربما يمكن فرض ضرائب أقل على دخل بعض العائلات ذوي القدرات المالية المحدودة لدعم صندوق خاص برعاية طلاب المجالات الفقيرة اقتصاديًا. كما يُمكن حث المجتمع المحلي والداعم لمؤسستك التعليمية على القيام بمبادرات خيرية موجهة خصيصاً لهذا الغرض. ومن جهة أخرى، تشجيع روح المنافسة الصحية بين أفراد الهيئة التدريسية باستخدام نظام مكافآت تقدير الأفضل منهم سيجعل عملية التحسن مستمرة ومحفزة بدون الاعتماد الكلي على موارد خارجية خارجية للنظام التعليمي.
وفي النهاية، فإن الموازنة بين الاحتياجات المالية للاستمرار وصيانة جودة العملية التعليمية ليست بالمهمة السهلة لكنها ضرورية لصحة النظام الثقافي والعلمي لأجل مجتمع أفضل وأكثر تسامحاً واحتراماً لكل فرد فيه بغض النظر عن خلفياتهم المختلفة.