مصر في قبضة العسكر (4/11)
الإعلان الدستوري المشؤوم .. وأوباما يستقبل مستشار مرسي ويحمله رسالة مهمة للغاية
ونواصل الرحلة مع ديفيد كيركباتريك، وكتابه "في أيدي العسكر" .
استعرض الكتاب أحداث غزة (نوفمبر 2012)، وانفجار القتال بين حماس والجيش الإسرائيلي فيها بعد أشهر قليلة من تولي مرسي المسؤولية وتهديد إسرائيل باجتياح القطاع، ورفض مرسي لتلك التهديدات، والاتصالات المحمومة التي جرت بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس مرسي لاحتواء الموقف، ونجاح مرسي في هذا الاختبار بصورة أذهلت الأمريكيين، ومنحت مرسي أول علامات الثقة لدى الإدارة الأمريكية في قدرته على إدارة وتأمين المصالح الكبرى في المنطقة، ويشير المؤلف إلى أن مرسي تعهد في كثير من الأحيان بالتزامه باتفاقيات كامب ديفيد للسلام .
يأخذ المؤلف على مرسي أنه لم يستغل الأشهر الأولى الهادئة والتي كان يمتلك فيها قوة الدعم الشعبي لإعادة ترتيب الدولة، لقد بدا وكأنه يعيد إنتاج دولة مبارك، منح المخضرمين من رجال مبارك الوزارات الأكبر والأخطر : الدفاع، والداخلية، والخارجية، والمالية، كما منح الجنرالات المتقاعدين منصب المحافظ لحوالي 17 محافظة مصرية، كما كان يفعل مبارك، كما أن تقرير لجنة التحقيق المستقلة التي تشكلت حول أحداث الثورة ومقتل المتظاهرين سجلت إدانات واضحة للمجلس العسكري بالتورط في كل تلك الجرائم، لكن مرسي رفض تفعيل التحقيق، وعلى حد تعبير المؤلف "دفنه"، يقول ديفيد : كان أبرز سمة من سمات رئاسته هي تصميمه على كسب ود الجيش والشرطة، لقد شكر مرارا الشرطة وتملقها حتى أنه أشاد بها في ذكرى انتفاضة 2011 التي قامت ضدها .
ثم ينتقل المؤلف للحديث عن زوجة مرسي "أم أحمد" كما اشتهر لقبها، مع سرد لخلفيات زواجها من مرسي، ومكان ميلادها في أحد الأحياء الشعبية في القاهرة، وسفرها مع زوجها إلى أمريكا، وكفاحها لتربية أبنائها وحدها بعد أن سافر مرسي بمفرده إلى ليبيا أربع سنوات لتحسين دخله المالي، ليعود بعدها ويشتري شقة متواضعة وسيارة خاصة "ميتسوبيشي"، يرصد المؤلف إسفاف وتناقضات موقف النخبة المصرية تجاه السيدة نجلاء علي محمود "أم أحمد"، وسخريتهم منها بأسلوب غير لائق، والمقارنات التي كانت تعقد بينها وبين سوزان مبارك وجيهان السادات، اللتين تنحدران من أصول أجنبية حسب إشارة المؤلف، كانت النخبة المدنية في مصر تستخدم هذه المقارنة للإشارة إلى الفارق الثقافي في الهيئة والثياب والأفكار، يستعرض المؤلف السخرية التي كانوا يطلقونها تجاه زوجة مرسي، واستنكار بعض معارضي الإسلاميين أن تكون هذه صورة سيدة مصر الأولى أمام العالم، بحجابها الطويل وثوبها الفضفاض ورفضها مصافحة الرجال ونحو ذلك، ويشير المؤلف إلى أنها هي التي اقترحت على الرئيس مرسي ـ بعد وصوله لمنصب الرئيس ـ أن يبقوا في شقتهم في ضواحي القاهرة ولا يقيموا في القصر الجمهوري الذي يعزلهم عن الناس.
ثم يتوقف المؤلف عند محطة "الإعلان الدستوري" المشؤوم الذي أصدره مرسي بناء على توصية بعض مستشاريه، والذي جعل قراراته محصنة من أي نقد أو نقض من أي محكمة، وعزل النائب العام، وأمور أخرى، ويرى أنه كان نقطة التحول في تفجير الشارع من جديد، وانحسار الصورة التي تشكلت عن مرسي كرئيس ديمقراطي مدني، يقول أن بعض الإخوان أنفسهم فوجئوا بالإعلان، وبعد أن كان الشارع قد استعاد هدوءه والدولة انتظمت أعمالها، انفجر كل شيء، وبدأت الحشود تهاجم مقرات الإخوان وتحرقها، والاشتباكات تنتشر في الشوارع وتحاصر القصر الجمهوري، دون أن يغفل أن كل تلك الهجمات كانت برعاية وحماية أجهزة الدولة العميقة .
كان "ديفيد" منصفا وهو يعطي خلفية عن أسباب اندفاع مرسي لاتخاذ قرار هذا الإعلان المشؤوم، وهو ما نما إلى علمه من نية المحكمة الدستورية إبطال قرار تأسيس اللجنة الدستورية التي كانت على وشك إنهاء عملها ليطرح "دستور الثورة" أمام الاستفتاء، بل وصل الأمر إلى حد أن اللجنة كانت ستنظر في إبطال انتخاب مرسي نفسه ، لتعود السلطة من جديد إلى المجلس العسكري، وأيا ما كانت حقيقة الأمر، إلا أن القرار جعل الأرض تميد تحت أرجل سلطة مرسي الضعيفة، ورغم اضطرار مرسي للتراجع عن القرار، إلا أن الثقة انفرطت بينه وبين القوى السياسية الأخرى، يقول المؤلف : كان مرسوم مرسي بلا شك أسوأ لحظة في فترة رئاسته، لحظة الحضيض بالنسبة إلى مصداقيته كزعيم ديمقراطي، كان المرسوم نقطة تحول.
يشير المؤلف إلى أن الإعلام الحكومي والخاص وقتها كان معاديا بالكامل تقريبا لمرسي وجماعة الإخوان، ويلمح إلى أن الإعلام الرسمي كان تحت سيطرة وتوجيه الجيش أكثر منه الرئاسة، رغم أن وزير الإعلام وقتها كان من كوادر الإخوان، كما يشير إلى أن الكثير من أعمال العنف في الشارع لم تكن تقوم بها قوى معارضة معروفة، وإنما أشخاص وكيانات مجهولة، ربما يشير إلى استخدام المخابرات لبلطجية.نألأت
يتحدث المؤلف عن جهود من مستشاري مرسي ـ منهم وائل حدارة ـ للتنسيق مع موظفي خيرت الشاطر لمواجهة الأحداث، لكن الاجتماع انتهى إلى مباراة صراخ، على حد وصفه، يقول أن مساعدي الشاطر أخبروه بأنه أصبح محبطا بشكل متزايد من "عناد" مرسي، وأنه أجبر الجماعة على الدفاع عن قرارات غير شعبية، وأنه يسحب من رصيد الجماعة لدى الشارع، يقول أن التوترات بين الاثنين كانت معروفة حتى لدى قيادات المعارضة، وينقل عن "أحمد سعيد" رئيس أحد الأحزاب هذا المعنى .
واقعة مهمة للغاية ذكرها المؤلف، وهي أن البيت الأبيض ـ بعد تفجر الأحداث على هذا النحو الخطير ـ استدعى مستشار مرسي "عصام الحداد" لمقابلة في واشنطن، وعندما وصل أبلغوه أنه سيقابل الرئيس أوباما نفسه، كان بصحبته السفير المصري في واشنطن، وعند أبواب البيت الأبيض طلبوا من السفير الانتظار خارجا وهو ما أثار غضبه الشديد ، ودخل "عصام الحداد" وحده، ليقضي حوالي 40 دقيقة في اجتماع خاص مع أوباما، ويشير المؤلف أن هذه واقعة غير مسبوقة، لأن الحداد ليس رئيس جمهورية ولا حتى وزير خارجية، في المقابلة شكره أوباما على نجاحهم في حل الأزمة في غزة، وهنأ مرسي بالرئاسة، وقال أنه للتو فاز بفترة رئاسية ثانية في أمريكا بفارق يشبه الفارق الذي فاز به مرسي، وأن أولويته كانت العمل على احتواء المرارات التي حملتها المعارضة والحزب الجمهوري تجاه فوزه، لكي يعطي نفسه مساحة وقت لترتيب برنامجه السياسي ونشر الهدوء في الحياة السياسية، وطلب أوباما أن يبلغوا مرسي نصيحته بأن يحاول احتواء المعارضة في بلاده لكي يهيئ لنفسه أرضية أكثر هدوءً للعمل ، ومنح نفسه مساحة وقت كافية لترتيب أركان سلطته، ومنع أي أطراف أخرى من استغلال التوترات ، يقول "باتريك" أن مجموعة مرسي استخفت بالنصيحة، ورأت أن أوباما غير مدرك أن تركيبة مصر مختلفة عن تركيبة السياسة في أمريكا !! ، لكن فريق مرسي ـ بحسب المؤلف ـ فهم من تلك الرسالة أن الرئيس الأمريكي يساندهم.