قيل: المنطق لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به الغبي.
قلت:
لماذا لا يحتاج إليه الذكي؟ لأن الذكي يدرك قواعد المنطق بدون درس وبدون حاجة إلى أن يتعلمها؟ فإذن هذا إقرار بصحة هذه الأصول، غايته أنّه يدعي أنّها سهلة بالنسبة للذكي، ولا تحتاج إلى تعليم. فالمنطق إذن أصول سليمة صحيحة.
فإذا ثبت هذا وسلمه القائل فلا يبقى في عدم احتياج الذكي إلى تعلمه ولا في عدم انتفاع البليد به منقصة في المنطق. بل قد يكون عدم احتياج الذكي إلى تعلمه إشارة إلى صلابتها وأصالتها وأنها موجودة في غريزة الإنسان، فلا يبقى شك في صحتها، فهذا يؤيد صحتها. فالكل إذن منتقع به
والكل يحتاج إليه، ويكون هذا مثل الطعام، يحتاج إليه الجميع وينتفع به الجميع، نعم لا نحتاج إلى أن نتعلم كيف نأكل (بمعنى مطلق الأكل، وليس مرادي آداب الأكل، فهذه تحتاج إلى التعليم) لا نحتاج أن نتعلم وندرس في مادة معينة وضع اللقمة في الفم وقضمه وابتلاعه. وقد يكون مريض لا يستيطع
أن ينتفع بالطعام، فهذا لا ينفي نفعه، وإنما المشكلة في المريض، وهو شأن البليد، لأن البليد إنما صار بليدا لأنه لم ينتفع بما ينبغي أن ينتفع به، وإلا لم يبق بليدا.
فإن قيل: المقصود أنها ليست صعبة لغاية أن يحتاج الذكي ليتعلمها، وليست سهلة حتى ينتفع بها البليد، فهي بينهما،
لا ينتفع بها أحد. قلت: وخير الأمور أوسطها! والجماعة الوسط من الناس بين الذكاء الغباء هم الجمهور وهم المراد. فهذا إلى المدح والفضل أقرب من أن يكون ذما وعيبا. وأما نفي الانتفاع به بعد تسليم صحته فمردود لا يسمع.
على أن الذكاء والغباء، والانتفاع وعدمه أمور عرضية مشككة نسبية.