التنقيب في عمق العاطفة: تجليات الحب والعشق والغرام

في رحاب علم النفس وفي ثنايا النفوس البشرية، يُعتبر الحب أحد أهم المشاعر الأساسية التي توجه مسارات الحياة وتعطي لها طابعاً خاصاً. يُعرّف الحب هنا بأنه

في رحاب علم النفس وفي ثنايا النفوس البشرية، يُعتبر الحب أحد أهم المشاعر الأساسية التي توجه مسارات الحياة وتعطي لها طابعاً خاصاً. يُعرّف الحب هنا بأنه رابط حميمي دائم يربط بين فردين أو أكثر فيما وراء الحدود العادية للإنسانية، وهو مدفوع بمزيج ساحر من الكيمياء البيولوجية والفلسفية النقية. يؤكد الخبراء أن علاقة الحب يمكن تتبع جذورها إلى إفرازات الهرمونات مثل الأوكسيتوسين - المُعروف باسم "هرمون المحبين" نظراً لدوره المركزي في تشكيل روابط متينة بين الأفراد.

تنامى خلال التاريخ عدة مصطلحات مرتبطة بالحياة العاطفية للإنسان والتي تنتمي جميعها تحت مظلة واحدة هي مظلة الحب. هذه المصطلحات تختلف بناءً على شدة تلك العلاقة وامتداداتها؛ فالغرام مثلاً يستمد أصله من "غَرَم"، مما يوحي بتلك الحالة الخطيرة من الانجذاب والتعلق المدوي الذي قد يصل لحد التعصب تجاه الشخص الآخر. بينما يقترب العشق من مستوى أعلى من العمق والإخلاص حيث يحيلنا الماضي البعيد لمصطلح "عشق" المرتبط بشكل مباشر بالإعجاب الزائد والشعور بالالتصاق المتزايد بالموضوع المحبوب حتى درجة الصفاء للقلب له.

وفي الأدب العربي القديم نجده مليء بالأوصاف الشعرية الجميلة للعلاقات الحميمة متضمنة العديد من التجليات المختلفة للحب. الهوى، على سبيل المثال، يعكس ميل النفس نحو الأحباب بطريقة عفوية وغير مخططة، وأحياناً تكون نتائج الهوى غير مرغوبة وقد تؤدي لسقوط المرء في بحر حب مؤلم كما ذكر القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام عندما قالت المرأة العزيزة "قد شغَفَها حُبَّا". كذلك فإن الشغف يعد مرحلة أخرى من مراحل تطوّر المشاعر العميقة فهو يعني الوصول بالعواطف إلى أعمق طبقات الفؤاد والتي تتمثل بغشاء القلب حسب المؤرخين العرب الذين استعاروا اسم الغشاء لنقل صورة واقعية لعمق الاحتشاد الداخلي للأرواح المتحابة.

كما تعتبر حالة الجدب مثال بارز على الألم الناجم عن انفصال الأحباء، وكذلك الأمر بالنسبة للجوى فهو يعادل الضيق والحزن الناتجين عن طول الفصل وانقطاع الاتصالات بين الطرفين. بالإضافة لذلك، يعكس الشوق قدر حاجة المحب لجلب محبوبته ورغبته الملحة لرؤية محبوبته مرة أخرى ولو لفترة قصيرة فقط كي يجد راحته ويتخلص من همومه. كل هذه الأمور مجتمعة توضح لنا جماليات وفروق درجات العلاقات الإنسانية وأنواع مختلفة للتواصل الرومانسي داخل المجتمعات عبر العالم. إنه حقا عالم عجيب ومتنوع ومتعدد الطبقات وهو جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية بكل تفاصيلها ومعانيها الرائعة!


لطيفة بن شعبان

1 مدونة المشاركات

التعليقات