الحب، ذلك الشعور الرومانسي والفريد الذي يربط بين قلوب البشر، قد يكون لغزا حير الكثيرين عبر الزمن. هل هو أمر مكتوب ومقدر لنا منذ الولادة، أم أنه اختيار نختاره بأنفسنا بناءً على تجارب حياتنا ورغبات قلوبنا؟ هذا الجدل الفلسفي القديم ما زال مستمرا حتى اليوم، ويطرح تساؤلات عميقة حول حرية الإرادة البشرية ومدى تأثير القدر والتقدير الإلهي عليها. سنستعرض هنا وجهات نظر مختلفة لمحاولة فهم هذه الظاهرة المعقدة بشكل أفضل.
المنظور الإسلامي: الحب كجزء من تقدير الله
وفقاً للمعتقدات الإسلامية، فإن كل شيء يحدث في الحياة عبارة عن قسمة وتقدير إلهي (مقدّر). وهذا يشمل العلاقات الشخصية بما فيها الحب. القرآن الكريم يؤكد على دور التقدير الإلهي في جذب الأفراد لبعضهم البعض. يقول تعالى في سورة الغاشية: "وَنَجْمٌ إِذَا هَوَىٰ * وَشَجَرٌ مَّنْضُودٌ" [الغاشية: ١٦-١٧]. يفسر العديد من المفسرين الآية الأولى "ونجم إذا هوى"، بأنه قصة حب شهيرة رومتها القصص الدينية مثل قصة النبي يوسف عليه السلام مع زوجة العزيز. فالتقاء الأرواح وتعاشق بعضها يمكن اعتبار جزء منه جزءًا من تدبير الله وتقديره للإنسان. ومع ذلك، لا يعني هذا أن الإنسان ليس له دور في اختيار الطريق الذي يسلكه بعد معرفته بالأمر الواقع؛ فالاختيار الشخصي يبقى عاملا مؤثراً رغم ارتباطه بالتدابير السماوية الأخرى.
النظرة الوضعية: الحب باعتباره اختيارات شخصية متعددة الأوجه
من الجانب الآخر، ترى النظريات النفسية والعلمية الحديثة أن الحب نتيجة لتفاعل عوامل عديدة منها البيئة الاجتماعية والثقافية والوراثية والتجارب الحياتية. وفقاً لهذه الرؤية، فإن الطاقة والحميمية والشعور بالإنجاز التي تشعر بها عندما تكون محباً لشخصٍ ما ليست مجرد نتاج حتمي للقدر ولكن هي أيضًا تأثيرات مباشرة للتوجهات الفردية والخيارات المتعلقة بطبيعة علاقات الأشخاص بالعالم الخارجي. هناك دراسات تبحث في كيفية التأثير الاجتماعي والعوامل الوراثية المشتركة في تحديد نوع الارتباط الانفعالي لدى الناس وبالتالي احتمال وجود علاقة غرامية قوية لاحقاً.
قابلية التعايش والاستيعاب
رغم الاختلاف الواضح بين هاتين النظرتين واسلوب التفكير فيهما، إلا أنها ليست غير قابلة للتحقيق جنبا إلى جنب. فعلى سبيل المثال، يمكن قبول فكرة أنّ الحب مقدر وأنّه كذلك خيار شخصي بنفس الوقت وذلك باستخدام مصطلحات مزدوجة مثل "مقسوم مقدراً ومحدداً". حين نقول إنّ القلب يُخبئ سرّا وهو ميل نحو روح أخرى فهو بالفعل تصرف حر لكنه أيضا حدث مُسبق التحديد بسبب قرب المسافات الروحية الأولية. وعند الحديث عن الشعور بالانجذاب لأول نظرة، فقد تعتبر ظاهرة فريدة وغير منطقية ضمن أي منطلق علماني سابق ذكرت; إذ إنها تعكس تعاطفا وحنانآ كونيآ ربما يعززه التواصل النفسي الخفى والمعروف باسم "الإشارات الكهرومغناطيسية."
إن موضوع علاقة الحب بالقضاء والقدر مثيرٌ للاهتمام وغني بالمفاهيم المختلفة سواء كانت دينية أو فلسفية أو علم نفس اجتماعي والتي تجمع جميعها تحت مظلة واحدة وهي إدراك مدى قوة قوة الرب وحدوده مقابل الحرية الذاتية لكل فرد لإحداث أثره الخاص داخل عالم أفكار وأفعال مترابط ومتداخل بحكمة مطلقة.