المكيافيلية: دراسة عميقة للطابع النفسي والابتزاز الأخلاقي

تُعتبر نظرية المكيافيلية واحدة من المفاهيم الفريدة والمثيرة للإعجاب في مجال علم النفس الاجتماعي. وقد ارتبط هذا المصطلح ارتباطاً وثيقاً بمصنّف السياسة

تُعتبر نظرية المكيافيلية واحدة من المفاهيم الفريدة والمثيرة للإعجاب في مجال علم النفس الاجتماعي. وقد ارتبط هذا المصطلح ارتباطاً وثيقاً بمصنّف السياسة الإيطالي نيكولو مكيافيلي بسبب كتابه الشهير "الأمير"، والذي يعرض فيه استراتيجيات لتحقيق السلطة والحفاظ عليها. ولكن، ما هو الجانب النفسي للمكيافيلية؟ وكيف يمكننا فهم هذه الشخصية المعقدة ضمن إطار علم النفس الحديث؟

المكيافيلية كظاهرة نفسية هي سلوك يتميز بعدم وجود ضوابط أخلاقية واضحة وتركيز كبير على تحقيق الأهداف الشخصية بغض النظر عن الوسائل المستخدمة. الأفراد الذين يظهرون سلوكا مكيافيليا غالبًا ما يبررون تصرفاتهم بأنها ضرورية لبلوغ هدف معين، حتى وإن كانت تلك التصرفات تنتهك القواعد الاجتماعية والمعايير الأخلاقية التقليدية.

هذه الخصائص تشكل جزءاً أساسياً من نموذج الشخصية الثلاثي المحاور (Triarchic Model) والذي طوره عالم النفس روبرت دريكيري. وفقًا لهذه النظرة، فإن البشر لديهم ثلاثة جوانب أساسية للشخصية: العقلانيّة (التخطيط والإستراتيجيات)، والعاطفية (المشاعر والتفاعلات مع الآخرين)، والأخلاقية (القيم والمبادئ). الشخص المكيافيلِي عادةً ما يكون ذو مستوى مرتفع من العقلانية المنخفضة في الجوانب الأخرى.

ومع ذلك، يُعد التركيز الشديد على الاستراتيجيات الذكية، والتي قد تبدو غير أخلاقية لأغلبية الناس، جانب مهم آخر في تعريف الشخصية المكياڤيليّة. هؤلاء الأشخاص يستغلون الظروف لصالحهم ويتلاعبون بالأحداث بطرق خادعة لإنجاز مخططاتهم الخاصة.

على الرغم من الصورة السلبية المرتبطة بهذا النوع من الشخصية، هناك حالات تاريخية وأدبية قدمت شخصيات مكياڤيليّة كتبت عنها ببراعة أدبية وبصورة جذابة للقارئ. لكن، في الواقع العملي وفي البيئات الأكاديمية والقانونية وغيرها الكثير، يُنظر إلى المكيافلية بشكل سلبي لأنها تعني تجاهل الأعراف المجتمعية والدوافع الخادعة التي تتحدى الثقة وتفرق بين العلاقات الإنسانية الطبيعية.

وفي المجال العلمي، تعتبر الدراسات حول المكيافللية حقل بحث مثير للاهتمام يساعد في فهم السلوك البشري الأكثر تعقيداً. كما أنها توفر ملاحظات قيمة لفهم طبيعة الحكم السياسي والاستراتيجيات التجارية والصراعات الدولية وغيرها من المواقف ذات الطبيعة التكتيكية عالية المخاطر.

بشكل عام، تبقى المكيافللية ظاهرة دقيقة ومربكة؛ فهي تدمج عناصر الدهاء والذكاء مع عدم احترام القانون الأخلاقي المتفق عليه اجتماعيًا. إن فهم هذه الظاهرة ليس فقط مفيدًا لتوضيح النماذج والسلوكيات النفسية المعقدة، ولكنه أيضًا يساهم في بناء مجتمع أكثر فهماً واحتراماً للترابط الاجتماعي والثقة متبادلة بين أفراده.


طارق الصمدي

2 مدونة المشاركات

التعليقات