يمثل الاقتصاد العمود الفقري لكل دولة، وهو ما يحدد مستوى الرخاء الاجتماعي ويشكل قاعدة التقدم الوطني. يعبر مسار النمو الاقتصادي بعدة مراحل قد تطول أو تقصر حسب الظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها الدولة. هذه الرحلة ليست خطية دائمًا؛ فهي تتضمن فترات ازدهار وتباطؤ وتقلصات اقتصادية محلية ودولية متداخلة الأسباب والمسببات. ستستعرض هذا المقال بشكل تفصيلي تلك المراحل الرئيسية لنشوء وتطور الاقتصاد وكيف يمكن للعوامل المحلية والدولية التأثير عليها.
- مرحلة البداية: تبدأ معظم البلدان رحلتها نحو التنمية الاقتصادية بمجتمع زراعي بسيط. تعتمد القيمة الإنتاجية هنا بشكل أساسي على الزراعة واستخراج الثروات الطبيعية الأولية. خلال هذه الفترة، غالباً ما تكون القدرات الصناعية محدودة بسبب محدودية رأس المال والتكنولوجيا المتاحة آنذاك. ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لتوسيع المناطق الزراعية وتحسين كفاءتها تعد أساساً مهماً للانتقال إلى مرحلة أكثر تقدماً.
- مرحلة الانتقال: مع اكتساب الخبرات والمعرفة عبر التجارب العملية والاستثمار المحلي والعالمي، يتم الانتقال التدريجي نحو التصنيع. تصبح الابتكارات التقنية والصناعات التحويلية جزء مهم من هيكل الاقتصاد. في بعض الحالات، قد يستغل البلدان موقعها الاستراتيجي وشواطئها لإنشاء صناعات بناء سفن وصيد سمك مما يحقق إيرادات مباشرة وغير مباشرة تدعم نموها الاقتصادي.
- مرحلة الاكتفاء الذاتي: عندما تستطيع الدولة إنتاج سلعها وبضائعها الخاصة بكفاءة عالية بما يكفي لتلبية الطلب الداخلي دون الاعتماد الكبير على الواردات الخارجية، نكون أمام دلالة واضحة على الوصول لهذه المرحلة الحرجة. يؤدي تحقيق الاكتفاء الذاتي عادةً إلى زيادة الأمن الغذائي والنقدي للدولة والقضاء جزئيًا على الفقر المدقع ومشاعر عدم اليقين بشأن القدرة على الحصول على المواد الضرورية للمواطنين والمستهلكين المحليين.
- مرحلة التجارة العالمية: بعد الوصول للأمان الداخلي والاعتماد على الذات نسبياً، يدخل الاقتصاد الدولي سوق المنافسة العالمية عبر الانخراط في تجارب تجارية عالمية واسعة النطاق. توفر الشركات الدولية فرصة للاستفادة من المعرفة الجديدة والتكنولوجيات الحديثة فضلاً عن دخول فرص جديدة لتحقيق مكاسب مالية كبيرة للشركتين المشتركتان في الاتفاقيات التجارية الدولية المختلفة. إلا أنه ينصح بتحفظ عند التعامل للتجنب الوقوع تحت سيطرة الدول الأكثر قوة أو الدخول ضمن اتفاقيات غير مواتية طويلة المدى والتي قد تزاحم المنتجين المحليين بشدة وتضع ضعفائهم في وضع حرج وضعيف سياسياً واقتصاديًا مستقبلاً.
- مرحلة التنويع الاقتصادي: أخيرًا وليس آخرًا، تأتي مرحلة تنويع القطاعات الإنتاجية وتعزيز الخدمات المصرفية والسياحية والمعلوماتية وما شابه ذلك ممّا يساعد المجتمع الحديث على مواكبة قيادة السوق العالمي وضمان استمرارية النمو المستدام طوال العقود القليلة المقبلة حتى لو تغير النظام السياسي الحالي بطرق مختلفة تمام الاختلاف مقارنة بالأمس البعيد أو القريب!
وتعد هذه المراحل مجرد خارطة طريق تشرح عملية تعقيدات حركة مختلف جوانب حياة البشر عموما ولم تكن أبداً ضامنة لبقاء الاقتصاد مستقراً ومتماسكاً بلا تحديات خارجية مثل التغيرات الناجمة عن جائحة كورونا (COVID-19) والأزمات السياسية والحروب والحوادث الطبيعية والكوارث البيئية الأخرى. لذلك، رغم أهميتها القصوى لاتخاذ القرارات المنطقية حول السياسات المالية العامة وإدارة موارد الطاقة والثروات الوطنية وحماية حقوق الملكية الفكرية وخاصة فيما يلي خلق وظائف أقرب لمنظور القرن الواحد والعشرين بما ينسجم ويتماشى مع نهوض وعظمة الشعوب المتحضرة ذات التفكير العميق والحكمة المستنيرة، تبقى عوامل أخرى عديدة داخل وخارج حدود البلاد تؤثر تأثير مباشر غير قابل للحسم ولكن قابلاً للفهم ومن ثم العمل لمنعه قدر إمكان الإنسان حاليا وفي المستقبل القريب أيضًا بإذن الله تعالى سبحانه وتعالى!