الاقتصاد السلوكي هو دراسة كيفية تأثير العوامل النفسية والعاطفية على سلوك الأفراد عند اتخاذ قرارات مالية شخصية. هذا المجال المتعدد التخصصات يجمع بين علم الاقتصاد وعلم النفس لفهم الدوافع الحقيقية وراء خياراتنا الشرائية والاستثمارية وغيرها من الأمور ذات الصلة بالأموال. بدلاً من افتراض أن الناس يتخذون قرارات عقلانية وموضوعية تماماً كما يقول النموذج الاقتصادي التقليدي، فإن الاقتصاد السلوكي يكشف لنا كيف يمكن للانحيازات المعرفية والأعراف الاجتماعية والصدمات التجارب الشخصية التأثير بشكل كبير على اختيارنا للأفعال والممارسات المالية.
في ضوء ذلك، دعونا نتعمق أكثر في بعض الجوانب الرئيسية للاقتصاد السلوكي وكيف تؤثر هذه الفروقات البشرية الطبيعية في حياتنا اليومية:
الانحياز نحو الثبات (Loss Aversion)
هذا أحد أهم المفاهيم التي طرحها دانييل كانمان وأنسو كايطهاردت، والتي فازا بجائزة نوبل بسبب أعمالهما الرائدة في مجال اقتصاديات السلوك. يشير "الانحياز نحو الثبات" إلى ميلنا لتكون ردود فعلنا أقوى بكثير عندما نهدر شيئاً ما مما لو كانت مكاسب مقابل خسائر محتملة. في الواقع، قد تكون قيمة الخسارة مرتين أو حتى ثلاث مرات ضعف نتيجة المكسب المقابل! وهذا يعني أنه بينما قد يجذب المال المزيد منه، إلا إنه أيضاً يحمي نفس القدر إذا لم يكن أكثر عندما يتعلق الأمر بفقدانه.
التأثيرات الاجتماعية والتوافق مع الأقران
إننا جميعًا عرضة للتأثر برأي الآخرين، خاصة أولئك الذين نشعر بأن لديهم معلومات ومعارف أكثر خبرة. يُطلق عليها اسم "التأثير الاجتماعي"، وهي ظاهرة بارزة تتضح جليةً عندما يقوم الأشخاص بنسخ التصرفات الأخرى دون تفكير نقدي مستقل حول القضايا المعنية. وبالتالي، فإن الحملات التسويقية الناجحة تستغل تلك الحقيقة وتستخدم شهادات المشاهير والشخصيات المؤثرة لجعل المنتجات تبدو مرغوبة لأخريات نظرا لأن الآخرين اختاروها بالفعل.
ذكريات المرء وشكل الإطار الزمني
طريقة تقديم البيانات لها دور كبير أيضًا؛ فمثلا، غالبًا ما يتم تقديم العروض المخفضة بطريقة توضح الشكل القديم والسعر الأعلى السابق مقارنة بسعره الحالي المنخفض الحالي. يعمل هذا النهج العقلي -يطلق عليه "الإطار"- على تشكيل إدراك الجمهور وإعطاء انطباع غير صحيح بأنه حصلوا فعلياً على صفقة جيدة حقا بينما يبقى الربح النهائي للشركة ثابت نسبياً!. بالإضافة لذلك، تلعب ذاكرتنا دوراً حيوياً هنا أيضا حيث نسعى دائماً لإعادة إنتاج تجارب مشابهة لما اعتدنا عليه سابقاً.
وفي الختام، يساهم الاقتصاد السلوكي بتقديم رؤى عميقة حول تصرفات الإنسان الطبيعية وغرائزه الأساسية أثناء التعامل مع أمور مالية حساسة مثل ادخار الأموال واستثمارات طويلة المدى واتخاذ مواقف استراتيجية تجاه الدين. ودعا متخصصون بهذا العلم الحكومات والهيئات الرقابية للإصرار على تبني سياسات تعترف بحقيقة اختلاف الإنسان عن الآلات الصرفة حرصاً علي سلامتهم وحماية حقوقهم المستقبلية.
