تقع جمهورية كوبا في منطقة البحر الكاريبي، وهي جزيرة كبيرة تربط بين قارتَيْ أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية. تتميز بموقع استراتيجي جعلها هدفاً للمصالح السياسية والعسكرية للأمم القريبة منها منذ القرون الأولى للاستعمار الأوروبي للمنطقة. وقد شكل هذا الموقع الجغرافي نقطة جذب مهمة لمختلف الدول خلال القرن العشرين، مما انعكس بشكل مباشر على تاريخ البلاد المضطرب والمليء بالتوترات والصراعات الداخلية والخارجية.
بعد الاستقلال عن إسبانيا عام 1898، دخلت كوبا مرحلة جديدة مليئة بالأزمات السياسية والحروب. شهدت تلك الحقبة عدة انقلابات عسكرية داخلية، أبرزها كان تولي فوزيه باتيستا الرئاسة عام 1952، وهو الديكتاتور الذي حكم البلاد بحكم الأمر الواقع حتى خلعته ثورة الشعب الكوبي عام 1959 بزعامة فيدل كاسترو وعصاباته المحلية والدولية مثل أرنستو "تشي" غيفارا. مثلت هذه الثورة بداية لعهد جديد من التحديات الاقتصادية والأيديولوجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول الغربية.
التقت كوبا برؤيتَين متعارضتين -الرأسمالية والتقدم الاشتراكي- ما أدى إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة واستمر لسنوات طويلة تحت اسم "القطب الساخن". تحددت سياساتها الخارجية وفق رؤية الشيوعيين الذين وصلوا لسدة الحكم ونظموها بناءً على مبادئ ماركس وليون تروتسكي، بينما ظلت العلاقات دبلوماسياً مترددة ومتقلبة بسبب الضغط الأمريكي المستمر.
خلال فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي، لعبت كوبا دوراً محورياً في دعم حركات مقاومة ضد الاستعمار والقمع السياسي في مناطق مختلفة حول العالم، بما فيها أفريقيا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط. كما قدمت لها ملاذا آمناً لمنشقين سياسيين ومخططي أعمال تخريبية ضد الحكومات غير الليبرالية حسب وجهة نظر قادتها آنذاك. انقسم المجتمع الدولي عميقاً بشأن هذه السياسات العدائية للولايات المتحدة ومعارضتها لبرامج مكافحة الإرهاب العالمية؛ إذ اتُّهِمت الحكومة الكوبية بتوفير بيئات خصبة لهذه الفئات المنفية والسماح لهم باستخدام أرض الجزيرة قاعدة خلفية لنشاطاتهم المؤذية للدول الأخرى.
وفي العقود الأخيرة، تبنت كوبا نهجاً أكثر مرونة تجاه بعض جوانب اقتصاد السوق العالمي وبدأت عملية تحولات بطيئة نحو نظام مختلط يجمع عناصر النظام الشيوعي التقليدي مع مزايا التشغيل التجاري الحر. ولكن رغم ذلك، ظل الوضع الداخلي هشاً وحساساً للغاية وسط خلافات مستمرة بين الموالين للنظام الحالي والمعارضين له ممن يشعرون بأن التغيرات ليست عميقة بما يكفي لإعادة بناء دولة ذات توجه ديمقراطي حقاً. يبقى الشأن الكوبي قضية دولية حساسة تتطلب فهم التاريخ المعقد لهذه الدولة الصغيرة الصغيرة المثيرة للغرائز الطائفية والثارات البينية منذ قرن مضى وما زالت تأثر بالحاضر اليوم.