تعد مدينة تثليث الواقعة جنوب المملكة العربية السعودية واحدة من الوجهات الجغرافية التاريخية الغنية بالتراث والثقافة. تقع المدينة ضمن منطقة عسير وتعتبر مركزاً إدارياً وثقافياً مهماً للمنطقة. يعود تاريخ تسميتها إلى العصر الجاهلي عندما كانت معروفة باسم "تلth"، والتي تعني المكان المرتفع بسبب موقعها الاستراتيجي فوق قمة جبل شاهق. ويتميز هذا الموقع بمناظره الطبيعية الخلابة التي تضم غابات الأثل والشجر البري، مما يجعلها وجهة سياحية جذابة طوال العام.
تشتهر تثليث بتاريخها القديم الذي يعود إلى العصور الإسلامية الأولى، حيث تعد أحد المواقع الرئيسية لحركة الدعوة الإسلامية في الجزيرة العربية. شهدت المدينة العديد من الأحداث التاريخية مثل فترة حكم الدولة الأموية والدولة العباسية، بالإضافة إلى دورها المهم خلال الفترات الزمنية التالية. لقد ترك الهلاليون والنبطيون والبداويون بصمتهم على ثقافتها وتطورها الحضاري عبر القرون.
ومن أهم معالم المدينة مسجد الإمام ابن القيم -رحمه الله- الذي يعد مكاناً مقدساً ومزاراً دينياً بارزاً ليس فقط للسكان المحليين ولكن أيضًا للحجاج والمعتمرين الذين يزورونه للاسترشاد بفكر وإنجازات العالم المجتهد وابن بلده المثقف المؤرخ محمد بن أبي بكر بن أيوب الصالحي الدمشقي المعروف بابن القيم، والذي ولد ونشأ في هذه المدينة المباركة قبل رحيله عنها نحو سوريا طلباً للعلم والمعرفة الأدبية والفقهية الشرعية والعقلية المنطقية ثم اتخذ منها حاضرة علم ودعوة وانتشار فكرة وسنة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم وصحابته الكرام رضيالله عنهم اجمعين .
وتتمتع تثليث بتنوع بيئي مميز يؤثر بشكل كبير على حياة سكانها اليومية؛ فهي محاطة بغاباتها الشاسعة وغدران المياه المتدفقة والجبال الشاهقة المغطاة بالمروج والأزهار البرية الجميلة. وقد أدى ذلك إلى ازدهار زراعة النخيل وزراعة الأشجار الأخرى كالعنب والخوخ وغيرها، فضلاً عن توافر منتجات الألبان والمراعي الوفيرة للأغنام والماعز مما يشكل جزءاً أساسياً من اقتصاد المنطقة التقليدي.
وفي الآونة الأخيرة، برزت تثليث كوجهة ثقافية نابضة بالحياة تستقطب هواة الفنون والآثار والسائحين داخليا وخارجيا لتشاهدوا جمال ماضي البلاد وحاضرها المشرف المبهر تحت مظلة التنمية المستدامة والحفاظ علي البيئة والحماية القانونية للمواقع الاثرية وفق منظومة شامله ومتكاملة تسعى الي تحقيق اهداف رؤية ٢٠٣٠ ، وبذلك تأتي مدينة تثليث خالدة بجلال تاريخها وروعت طبيعتها وشموخ مواطنيها الذين يحتفظون بروح الماضي ويتمسكون بثوابتها فيما يستقبلون مستقبل وطنهم بكل عزيمة وعزم وهمّة عالية راقية متفائلة بإذن الله تعالى .
