مدينة مدين، التي لها مكانة خاصة في التراث الإسلامي، تقع تحديدًا في المملكة العربية السعودية، وبالتحديد في منطقة تبوك الواقعة شمال غرب البلاد. تحظى المدينة بتاريخ غني يعود إلى العصور الجاهلية والإسلامية الأولى، مما يجعلها وجهة مهمة لكل من المهتمين بالتاريخ والتراث الثقافي.
وفقًا للعلماء والمؤرخين، فإن الموقع الدقيق لمدين هو قرب ساحل البحر الأحمر، والذي يُعرف اليوم باسم بحر القُلزُم. هذا الموقع الاستراتيجي جعل منها نقطة اتصال هامة بين بلدان مختلفة منذ القدم. تُشير النصوص التاريخية أيضًا إلى أنها كانت واقعة بين منطقتي المدينة المنورة والشام، وهي المناطق ذات الأهمية القصوى في تلك الحقبة الزمنية.
بالإضافة إلى أهميتها الكبرى في الكتاب المقدس والقصة الإسلامية لنبي الله شعيب - عليه السلام - ، فإن مدين معروفة بموقعها الروائي في كتابات الشعراء مثل كثير عزة. يشير إليهما الشاعر المصري القديم قائلاً: "رهبان مدين والذين عاهدتهم يبكون من حذر العقاب قعود".
في القرن التاسع عشر، شهدت مدينة مدين زيارة العديد من الرحالة والمستكشفين الأوروبيين الذين سعوا لاستكشاف الآثار والمعالم التي خلفها سكانها عبر القرون. ومن هؤلاء المستكشفين بارز هاري سانت جون الذي قاد حملة بحث مكثفة خلال الفترة ما بين عامي ١٨٧٣ و١٨٧٦. اكتشف خلال مساعيه آثارًا تعود للعهدتين النبطية والسليمانية بالإضافة إلى الكشف عن نقشيات قديمة تشبه بشكل كبير نقشيات قبيلة ثمود الشهيرة والتي تمتد من المنطقة حتى مضيق تيران وخليج العقبة الحالي.
هذه الاكتشافات أثبتت وجود مستوطنة عمرها ألفي سنة تقريبًا تحتوي على معابد وحمامات عامة ومتاهات وأنفاق محفورة داخل الصخر. كل هذه الوحدات العمرانية المتكاملة تؤكد مدى تقدم حضارة ساكني المنطقة واستقرارهم هناك لفترة طويلة نسبيا قبل ظهور الاسلام وبعده مباشرة . إنها حقا قصة حياة وتطور شعب عاشوا وسط الصحراء ولكن لم تكن لهم أي حدود أمام إبداعاتهم الفنية والعمرانية!
