- صاحب المنشور: كمال الدين المدغري
ملخص النقاش:
في العصر الرقمي الحالي، بات واضحًا أن التكنولوجيا تلعب دوراً متزايداً في تشكيل مستقبل سوق العمل. هذا التحول الجذري لا يقتصر على الدول المتقدمة فحسب، بل يتمدد أيضًا ليشمل العالم العربي. وفقًا لتقرير حديث صدر عن منظمة العمل الدولية، يُتوقع أن يؤثر الابتكار التكنولوجي على حوالي %37 من الوظائف في المنطقة بحلول العام 2025. هذه الحقيقة ليست مجرد تحليل توقعي؛ فهي تعكس واقعًا ناشئًا حيث تتفاعل التقنيات الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والروبوتات مع بيئة الأعمال العربية بطريقة غير مسبوقة.
التأثير الاقتصادي
من الناحية الاقتصادية، قد تُحدث الثورة الصناعية الرابعة -التي تدفعها تكنولوجيتنا الحديثة- تغيرات جذرية. يشير العديد من الخبراء إلى فرصة محتملة لتحرير العمالة البشرية من أعمال روتينية ومملة وتوجيه تلك القوى العاملة نحو وظائف أكثر تعقيدًا وإنشاء قيمة أعلى. إلا أنه مقابل ذلك، هناك مخاوف بشأن زيادة البطالة خاصة بين الفئات ذات المهارات المنخفضة والتي يمكن أن تستبدَل بأتمتة آلية وبرامج ذكاء اصطناعي قادرة على أداء المهام بنفس الكفاءة أو حتى بشكل أفضل وأسرع بكثير مما يستطيع الإنسان القيام به. إن فهم مدى تأثّر مختلف القطاعات والصناعات بهذا الانتقال ضروري لإعداد السياسات والاستراتيجيات المناسبة للتكيف مع المستقبل الذي ينتظر سوق العمل العربي.
التدريب والتأهيل
واحدة من أهم الاستجابات لهذه الظاهرة هي التركيز الشديد على التعليم والتدريب المهني المستمر. تحتاج المؤسسات والشركات إلى إعادة النظر في سياساتها الخاصة بالتدريب الداخلي وإعادة تأهيل القوى العاملة لديهم. كما تحتاج الحكومات والمؤسسات التربوية للعمل على تطوير المناهج الدراسية لتعزيز مهارات القرن الواحد والعشرين لدى الطلاب، بما في ذلك البرمجة والإحصائيات وتحليل البيانات وغيرها من القدرات التي ستكون مطلوبة بشدة في عالم قائم أساسًا على المعلومات والمعرفة الرقمية. بالإضافة لذلك، فإن دعم ريادة الاعمال والمبادرات الصغيرة والمتوسطة الأجل عبر تقديم الدعم الفني والمالي للمبتكرين الشباب سيكون له دور كبير ليس فقط في خلق فرص عمل جديدة ولكنه أيضا سيولد أفكار مبتكرة تساهم في تحديث وتحديث عملية التصنيع وصناعة الخدمات في المجال العربي.
التحديات الاجتماعية والثقافية
وعلى الرغم من الإنجازات المحتملة المرتبطة بتكامل التكنولوجيا في سوق العمل العربي، إلا أنها تحمل أيضاً تحدياً اجتماعي وثقافي عميقاً . فقد تؤدي معدلات البطالة الأعلى بسبب الاوتماتة الى مشاكل اقتصادية واجتماعية طويلة المدى ، وقد يرتفع مستوى عدم المساواة إذا لم يتم التعامل مع الأمر بصورة مناسبة . ومن هنا نرى حاجة ملحة لبناء شبكات أمان اجتماعية فعالة تهدف لحماية الأفراد والأسر الأكثر عرضة للأضرار أثناء فترة البلبلة هذه . ولكن بعد كل شيء، فإن الإدارة المثالية لهذا التغيير الهائل ستمكن المجتمع ككل وليس فقط قطاع محدود منه من تحقيق نتائج ايجابية كبيرة .
وفي نهاية المطاف، فالاستفادة القصوي مما تقدمه لنا تقنية اليوم لن تكون ممكنة بدون اتخاذ خطوات حاسمة الآن وذلك بهدف بناء نظام مصمم خصيصاً لسوق عمل جديد ومتغير باستمرار والذي يصنع تعريفاته الخاصة بكل يوم جديد!