بالرغم من المسافة الزمنية الطويلة التي تفصلنا عن العصور الجليدية الماضية، إلا أن دراسة هذه الفترات التاريخية يمكن أن توفر رؤى قيمة حول كيفية تأثير تقلبات المناخ على كوكب الأرض. خلال العصر الجليدي الأخير، الذي دام حوالي 115 ألف عام قبل الميلاد، شهد العالم تغييرات كبيرة في درجات الحرارة والمحيطات والغطاء النباتي. هذه التغيرات كانت نتيجة مباشرة للتقلّبات الطبيعية في مدار الأرض وتركيز الغازات الدفيئة فيها.
تُظهر سجلات الجليد القديمة ومحتويات البحار المخزونة طبقاتٍ من المواد الرسوبية معلومات ثمينة حول فترة العصر الجليدي السابق. باستخدام التقنيات الحديثة لتحليل النظائر والأيونات المشعة الموجودة داخل تلك الطبقات، تمكن العلماء من تتبع تاريخ درجة حرارة الهواء والحالة البيئية العامة عبر الوقت. تشير البيانات إلى أن متوسط مستوى سطح البحر انخفض بمقدار ما يصل إلى 120 متر أثناء ذروة الانجرافات الجليدية الأخيرة بسبب احتباس كمية هائلة من الماء في القمم الثلجية القطبية. كما أدى هذا الانخفاض الكبير لمستويات المياه إلى ظهور مساحات واسعة جديدة للأراضي اليابسة، مما أثر بشكل كبير على الأنواع الحيوانية والنباتية المتواجدة آنذاك.
بالإضافة إلى ذلك، يعود الاهتمام العلمي الحالي بالعصر الجليدي إلى فهم أفضل لتوقعات تغيّر المناخ المرتبط بنشاط الإنسان الحديث. فعلى الرغم من اختلاف الأسباب المؤدية لكلتا الظاهرتين -الأولى طبيعية والثانية ناجمة جزئيًّا عن التصرف البشري- فإن بعض الآثار الجانبية قد تكون مشابهة. فزيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة من مصادر مختلفة مثل الاحتراق الصناعي والإنتاج العالمي للمنتجات المختلفة تساهم أيضًا في زيادة درجة حرارة الأرض وبالتالي الذوبان التدريجي للمناطق القطبية والجليد البحري. وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر وقد يهدد العديد من المناطق الساحلية والبنية التحتية العالمية المدعومة بها حاليًا.
ويشير الخبراء الآن أنه إذا استمر الوضع الحالي بدون اتخاذ إجراءات عاجلة لاحتواء الانبعاثات الضارة، فقد نواجه مستقبل يشبه نوعا ما فترات العصر الجليدي مع آثار أكثر شدّة وأسرع بكثير نظرًا للتحولات البشرية المعاصرة. لذلك، بات من الواضح أهمية التعلم من دروس الماضي واستخدامها لدفع جهود حل مشكلات اليوم المتعلقة بالمناخ. ومن خلال القيام بذلك، يمكننا وضع أسس الاستدامة والحفاظ على بيئتنا لكلا الأجيال القائمة والسكان المستقبليين.