تعد البحار جزءاً أساسياً من التراث الجغرافي والتاريخي للوطن العربي، حيث تلعب دوراً حيوياً في تشكيل هوية المنطقة وعلاقاتها الدولية. هذه المياه الواسعة تربط بين الدول والشعوب، وتمثل مسارات تجارية وثقافية وتاريخية مهمة منذ القدم وحتى اليوم. سنستعرض هنا بعضاً من أشهر وأبرز البحار التي تقع ضمن نطاق الوطن العربي، مع تسليط الضوء على خصائصها الفريدة وآثارها الثقافية والديموغرافية.
البحر الأحمر، بحسب الاسم نفسه، يتميز بلونه الأحمر النابض بالحياة بسبب وجود نوعيات مختلفة من الطحالب البحرية. يربط هذا البحر بين خليج العقبة وخليج السويس، ويمر بمنطقة قناة السويس الاستراتيجية التي تعد شريان حياة لاقتصادات العديد من دول العالم. يشكل البحر الأحمر موطناً لمجموعة غنية ومتنوعة من الحياة البرية البحرية، بما فيها الشعاب المرجانية النادرة والتي تجذب محبي الغوص والسائحين حول العام. بالإضافة إلى ذلك، يمثل البحر الأحمر طريقاً هاماً للتجارة والتنقل بين شرق وغرب القارة الأفريقية.
أما بالنسبة للمحيط الهندي، فهو واحد من أكبر المسطحات المائية العذبة في العالم ويحدد الجزء الجنوبي الشرقي من الوطن العربي. وهو مرتبط جغرافياً بمضيق باب المندب وبحر العرب وبحر عُمان. لعب المحيط دور كبيراً في تاريخ التجارة العالمية القديمة، وكان مركزاً رئيسياً لنقل البضائع الثمينة مثل الذهب والتوابل والأصواف والمعادن الأخرى. كما ساهم موقعه الفلكي ذو الصلة بالأرض بشكل كبير في تحديد المواسم الزراعية وحركة الأمطار في المناطق الداخلية لشبه الجزيرة العربية.
لا يمكن إغفال الدور الكبير لبحر الخليج العربي الذي يعد واحداً من أكثر المناطق حساسية جيوسياسياً واقتصادياً في الشرق الأوسط. وهو مصنف كمرفأ طبيعي ومصدر أساسي للإنتاج النفطي العالمي؛ إذ تحتوي مياهه على ثروات كبيرة واستثمارات ضخمة للشركات متعددة الجنسيات والحكومات الوطنية كذلك. ويعكس تنوع ثقافتيه المحلية والمتداخلة تأثيرات قديمة تعود لعصور قبل الميلاد حيث كانت طرق التجار القدامى تزدهر بهذا الحوض الحيوي المترامي الأطراف والذي يسكنه أنواع نادرة من النباتات البحرية والثدييات الصغيرة كالفقمات مثلاً.
إن دراسة وفهم دور كل بحر من هؤلاء داخل منظومة جغرافية واحدة بشكل واضح يدعم بصورة مباشرة فهم المزيدعن التاريخ الطبيعي والعمراني لمنطقة الوَطَنِ العربيَّة وماهيته القائمة الآن نتيجة لهذه العمليات التاريخية المُمتدة طوال القرون المتلاحقة!
