تكتسب الممرات المائية في الوطن العربي أهمية استثنائية نظرًا لعوامل عديدة تتعلق بموقعها الجغرافي والاستراتيجي، مما يعكس تأثيرها الكبير على حركة التجارة العالمية والتبادل الاقتصادي. هذه الممرات ليست مجرد روابط مائية بين المسطحات المختلفة، بل تعدّ جسور اتصال حيوية تساهم بشكل كبير في تنشيط اقتصاد الدول المطلة عليها. سوف نتفحص هنا أهم ثلاثة أمثلة لهذه الممرات وما تحمله كل منها من خصائص فريدة ومزايا ذات أهمية كبرى.
الممر الأول الذي سنركز عليه هو مضيق جبل طارق، الموقع الاستراتيجي الذي يمثل رابطاً أساسياً بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي. إن موقعه الفريد بين شبه الجزيرة الإيبيرية وإسبانيا المغربية يجعله بوابة عالمية تجارية ونقطة عبور رئيسية للسفن التجارية والمدنية العابرة بين القارات الأوروبية والإفريقية. ليس هذا فحسب، بل يعد المضيق جزءاً لا يتجزأ من النقاشات الدبلوماسية الدولية نظراً للتوترات السياسية المرتبطة به تاريخياً وحديثاً.
أما بالنسبة لمضيق هرمز، فهو أحد أهم الممرات البحرية في العالم ويتميز بتواجده عند تقاطع خليج عمان مع الخليج العربي. هذا المضيق الطويل الضيق يحظى باهتمام عالمي خاص نتيجة لنسبة عالية من صادرات النفط الخام الواصلة إليه من دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها. تقدير حجم تدفق النفط عبره قد يصل إلى نحو %40 من إجمالي كميات النفط المنقول بحراً، ما يسلط الضوء على دوره المحوري في سوق الطاقة العالمي. بالتالي فإن أي اضطراب محتمل فيه يمكن أن يؤثر بشدة على الاقتصاد العالمي.
وفي قلب القرن الأفريقي تحديداً، يجسد مضيق باب المندب مثالاً آخر على ارتباط الأمن البحري بالأمن العام للدول والشعوب بالإقليم والعالم الخارجي. يربط هذا المضيق بين البحر الأحمر وخليج عدن، ويشهد تدفقاً هائلاً للحركة البحرية التي تشمل الناقلات النفطية والسفن السياحية والسفن الخدمية الأخرى. باستخدامه كمفتاح طبيعي لسلسلة طويلة ومتنوعة من طرق المواصلات الرئيسية، يحتل المضيق مكانة بارزة ضمن شبكة الاتصالات العالمية المعقدة والدقيقة. ومع ذلك، فقد واجه تحديات أمنية مستمرة خلال السنوات الأخيرة أدت لاستهدافاته عدة مرات وبدرجات متفاوتة الخطورة.
وبالانتقال إلى الشرق قليلاً، تعتبر قناة السويس واحدة من أشهر المشاريع الهندسية والثورية المستحدثة منذ بدء استخدامها في مطلع القرن العشرين. هذه القناة العملاقة ليست مفتاحاً جغرافياً فحسب لتسهيل الوصول المباشر بين شمال المحيط الأطلسي وشواطيء شرق آسيا مباشرة عبر البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط؛ لكن لها أيضا أهميتها كرمز للازدهار والتقدم العلمي البشري المبهر وسط صحراء شاسعة عقيمة سابقا! وقد زادت قيمتها الآن بإضافة امتداد جديد يسمح بسفر المزيد من السفن الأكبر حجماً دون المرور بالقنوات القديمة ذات الأحجام المقيدة سابقاً. إلا أنها تبقى تحت مراقبة دقيقة لأسباب أمنية واقتصادية مترابطة بغرض تأمين سلامتها وعملها بكفاءة دائمة أمام التحديات الحديثة المتعلقة بخدماتها المشتركة للجنس البشري جمعاء حول globe .
هذه الأمثلة البارزة تكشف كيف تمثل ممرات المياه في الوطن العربي عناصر مؤثرة وموجهة لحلقات الوصل الأكثر حساسية داخل منظومة العلاقات الدولية المعاصرة - سواء فيما يتعلق بالحاجات الاقتصادية أو الجانب السياسي والنظام الدولي نفسه برمته .
