على الرغم من تاريخ طويل يعود لعصور مضت عاش فيه الإنسان بسعادة قرب أنهار مثل نهرَيّ اليانغتسي والصين، فإن أحداثًا مأساوية كتبت فصلًا مظلمًا في تاريخ المنطقة. يأتي في مقدمتها فيضان نهر اليانغتسي الكبير الذي وقع في العام 1931، والذي يُعتبر الأكبر في التاريخ بحسب المؤرخين.
بدأت القصة عندما ابتليت البلاد بجفاف مديد بين الأعوام 1928 و1930 نتيجة لقلة الأمطار التي أثرت بشدة على مستويات المياه وانتهى الأمر بتجفيف الأرض. ولكن سرعان ما تغير الوضع رأسًا على عقب بوصول عواصف ثلجية شديدة تلتها أمطار غزيرة بكثافة عالية في ربيع نفس السنة، مما أدى لتذويب الثلوج وإحداث زيادة مفاجأة بمستويات المياه المرتفعة للأنهار بما فيها نهري اليانغتسي والصين. ولم تكن تلك هي المشكلة الوحيدة إذ شهدت الصين أيضًا سلسلة من الأعاصير العنيفة بلغت سبعة أعاصير خلال شهور الصيف القصيرة!
وتزامنت هذه الظروف المناخية المتقلبة مع حالة عدم استقرار سياسي داخلي تتمثل بانشغال السلطات المحلية بالحروبات الداخلية وثورة فارقة آنذاك، ممّا جعل مراقبة وضمان سلامة الأنهار المعنيّة أمرًا شبه معدوم. علاوةً على ذلك فقد أثر تفشي الفقر المدقع ونقص الخدمات العامة بشكل كبير على قدرة السكان المحليين على التعاطي مع تداعيات الكوارث الطبيعية. كما لعب سوء إدارة موارد البيئية دور مهم للغاية فيما آلت إليه النهاية حيث دُمِّرت الغابات والمزارع الواقية من الفيضانات سابقًا وسدت سد المجرى المائي الرئيسي للنهر مما زاد الضغط عليه أكثر وأدى لسيلان المياه خارج نطاق الضفة الشرعية وانتشار الخراب حول البلد كله.
غير أن آثار الدمار لم تنحصر عند حدود خسائر الأرواح البشريّة وحدها بل تعدتها للتسبب أيضا بخسارة اقتصادية كبيرة تقدر بالملايين جرَّاء تضرر الموسم الزراعي وخسائر محصول الشتلات والحبوب المختلفة وكذلك تكلفة إعادة تأهيلي البنية التحتية المستنزفة بينما لجأ البعض لشراهة تناوُل اللحوم الحيوانيَّة جنبا إلي جنب مع انتشار ظاهرة أكَل اللحم البشري وفقر الدم وفقدانه نظرًا لنقص المغذيّات الأساسية وغيرها الكثير مما نتج عنه وفاة نحو ثلاثمائة ألف مواطن مصابين بداء الملاريا وحده!! وحسب تقديراتهم فإن نسبة الموت المنجم عنها بهذا المرض قد تجاوزت بكثير المعدلات المرتبطة بغمر الماء نفسه!!!
