ينساب نهر العاصي عبر ثلاث دول هي لبنان وسوريا وتركيا، وهو واحد من أهم الأنهار الشرق أوسطية. منبع هذا النهر الهام يكمن في المنحدرات الجبلية الخلابة لوادي البقاع شرقي لبنان. هنا، تستمد مياهه من عدة ينابيع عميقة تحت سطح الأرض، لتشرع بعد ذلك في طريقها نحو شمال شرق البلاد.
بعد مغادرة لبنان، يدخل نهر العاصي التراب السوري، ويتعامَل مع بحيرة قطينة قبل الانطلاق غربًا باتجاه مدينة حماة التاريخية. ومن هناك يواصل طريقه الشائك ولكن اللافت إلى منطقة الغاب، ليصبح جزءًا رسميًا من الحدود السورية - التركية عند هذه النقطة. وفي منعطف مفاجئ، ينعطف النهر غربًا مرة أخرى، مصبِّحًا أخيرًا مياهه في بحر إيجة بالقرب من ساحل تركيا الغربي.
هذه الرحلة الطبيعية الفريدة لنهر العاصي ليست مجرد قصة جغرافيا؛ إنها أيضًا شاهد حي على التنوّع البيئي للحوض الواقع ضمنه. فبينما تتغير المناظر الطبيعية أثناء عبوره الدول الثلاث، كذلك تتبدّل الحياة النباتية والحيوانية المرتبطة بالمحيط المائي الخاص به.
في لبنان، تزخر جوانب النهر بكروم العنب والمروج الخضراء والأشجار القديمة مثل الأرز والزيتون والسنديان، مما يشكّل موطنًا مثاليًّا لمجموعة متنوِّعة من الطيور والحشرات والثدييات صغيرة الحجم. أما عندما يدلف النهر إلى سوريا فتتحول المشاهد بشكل واضح نحو الصحاري الواسعة وغابات الصنوبر الموجودة حولنا. هنا قد تصادف قطة برية أو ذئباً بريًّا أو أحد أنواع الزواحف العديدة المنتشرة حول تلك المناطق الرطبة نسبياً.
وفي الجانب التركي للنهر نجد غابات بلوط كثيفة ومستنقعات هشة مليئة بأنواع مختلفة من الطرائد والإفتريسات الجويَّة والدجاج الوحشي وغيرها الكثير. إن تأثير وجود نهر العاصي ليس فقط جماليًا وبيولوجيًّا ولكنه أيضاً اقتصادي واجتماعي مهم جدًا لسكان المنطقة الذين يستغلونه منذ قرون كمصدر رئيسي للري وللعجلة الهيدروليكيه التقليديه المستخدمه في مناطق عديده منها حمص وحماة لرفع المياه للسقايه الريفيه .
إن تاريخ تسميات هذا النهر يعكس ثرائه الثقافي فقد رصدت حضارة مصر القديمه هذا النهر المسماه "آرونتي" بينما اعتبره الآشوريون باسم "ارانتيو" فيما بدوره اطلق عليها اليونانيون اسم 'اكسىوس'. كل هذه التسميات المختلفة تشهد بصورة غير مباشرة علي اهميته الاستراتيجية والمعرفية عبر القرون .
