الجبال، تلك الهياكل الضخمة التي تتجه نحو السماء، ليست مجرد تراكمات صخرية جامدة؛ إنها عماد حياة مليارات الناس حول العالم. فهي تُعد مهداً طبيعيًا للمياه العذبة، مصدرًا هاماً للطاقة المتجددة، وملجأً للغابات والنباتات النادرة والمعمرة. علاوة على دورها الحيوي في تنظيم المناخ والحفاظ عليه عبر امتصاص ثاني أكسيد الكربون وإعادة إطلاق الأكسجين النقي.
الموقع والتعداد السكاني
تأوي الجبال ملايين الأشخاص الذين يقيمون فيها بحثاً عن حياة بسيطة ترتكز على الزراعة وصيد الأسماك واستخراج الموارد المعدنية. ومع ذلك، فإن هؤلاء السكان غالبًا ما يعانون من نقص الخدمات الأساسية كالتعليم والبنية الصحية الأساسية مما يؤدي إلى انحدار مستوى حياتهم بشكل عام. وعلى الرغم من هذا الوضع الصعب، تلعب الجبال دوراً أساسياً أيضاً بالنسبة لسكان المناطق المجاورة لها حيث توفر مصدراً مستداماً لمياه الشرب وتعزز خصوبة التربة المحيطة وتضمن استمرار دورة الماء والتربة.
تأثيرها على المناخ وصحة البيئة
للجبال تأثيرات بارزة ومتنوعة على الطقس والمناخ العالمي. فهذه الأنظمة الجغرافية تعمل كمصدات رياح تضمن هطول أمطار بغزارة عند جوانبها المواجهة للريح بينما تصبح ضفة أخرى أكثر جفافاً وأقل تعرضاً للأمطار. وبالتالي يساهم وجود الجبال في خلق بيئات مختلفة داخل مساحة جغرافية واحدة وهو أمر ضروري لاستقرار النظام البيئي وللتكاثر الناجع للنباتات والحيوانات بأنواعها المختلفة. وفي المقابل، تكشف دراسات علم البيئة الحديثة كيف تؤدي عمليات التجريف وتغيير الاستخدام العقاري لهذه المناطق بتدمير توازنها الطبيعي وضَرَب البنى البيئية التي ساعدت في بناءها عبر آلاف السنوات.
مورد ثمين للموارد الاقتصادية والاستراتيجيات الصناعية
لا شك أنها مخازن تحتضر بكافة أنواع المواد الخام -مثل الذهب والفضة والنحاس ومعادن أخري نادرة- لكن أهميتها الأكبر يكمن فيما تقدمه لنا بلا كلل ولا ملل من موارد طبيعية متجددة : مياه عذبة ونقية, طاقة كهرومائية، أدوية عشبية تقليدية وغذاء حيواني متنوع. وهذا ليس سوى جزء صغير مما تخبئه لنا الجبال! إن فهم المخاطر المصاحبة لتغير المناخ لدى مناطق ذات مرتفع عالٍ سيجنبنا كثيرا من الويلات ويحفز جهود مواصلة اكتشاف التقنيات الجديدة للتكيف مع تغير الظروف المدمرة للقشرة الأرضية الخارجية بما يشمل تغيرات الأحوال الجوية وسلوكيات الإنسان أيضا.
وتظهر أهمية الجبال كذلك عندما نتحدث عنها باعتبارها نظام نظيف لإدارة وحفظ الموارد الحيوية ومقاومة تحديات التصحر والجهد المبذول لتحقيق الأمن الغذائي لمنطقة الشرق الأوسط الكبير مثالاً لذلك حيث يتم اعتماد نهج طويل المدى لحماية هذه "الحواجز" الطبيعية ودعم الانتفاع منها لصالح جميع المجتمعات دون تفريق بين منطقة وأخرى وذلك بالتزامن مع اتخاذ إجراءات فعالة ضد جريمتَي تهجير الغابات وبسط يد الفساد على مقدراتها الرئيسية. ونظرًا لأن معظم الدول الفقيرة تقع ضمن حدود جغرافيا الجبل فقد برز مشروع عالمي شامل يعمل على نشر تجارب مبتكرة تستهدف ترقية القدرات الإنتاجية وتمكين الشعوب الأصلانية والسكان المحلية ممن يرتبط تاريخهم ارتباط مباشرا بجبال وطنهم العزيز .
