في تاريخ البحار والملاحة العالمية، هناك العديد من القصص التي تتحدث عن المغامرات الجريئة والاستكشافات الرائدة. لكن واحدة من أكثر الحكايات إثارة وتاريخًا هي رحلة المرأة اليونانية أفروديتو، والتي تعتبر أول امرأة معروفة تقود سفينة عبر مضيق البوسفور - الطريق البحري الاستراتيجي بين بحر مرمرة والبحر الأسود. هذه القصة الغنية بالأحداث تعكس شجاعة وأهمية دور النساء في مجال استكشاف المحيطات القديم.
كانت فترة حكم الإمبراطورية البيزنطية وقتًا عصيبًا للغاية بالنسبة للمرأة؛ فقد كانت حقوقهن محدودة وكان يُنظر إليهن عادةً كمرآة للرجال وليس لديهن القدرة على القيام بمهام خارج نطاق المنزل التقليدي. ومع ذلك، فإن شخصية أفروديتو خرجت لتكسر تلك الأعراف المجتمعية المتشددة. ولدت حوالي القرن الخامس الميلادي، وكانت ابنة أحد الضباط العسكريين الأرستقراطيين الذين خدموا تحت قيادة الإمبراطور البيزنطي زينويس الثاني. تربت وسط بيئة يغذي فيها الشرف البطولي والشعور بالمكانة العالية أهميتها.
استلهم فكر أفروديتو وطموحها لركوب الأمواج بعد وفاة والدها المفاجئة خلال معركة برية ضد الفرنجة شمال سوريا عام ٤۷۹ ميلادية. قررت الانتقام لمقتل أبيها والتوجه لاستعادة مكانتها المحلية باعتبارها وارثة لعشيرة بارزة بإظهار قدراتها وإمكاناتها الخاصة. اتخذت قرارًا جريئًا يختلف تمام الاختلاف عن الأدوار النمطية المتوقعة منها كمراة فاضلة متزوجة ورؤوفة للأطفال فقط; بدلاً من الزواج المبكر كما كان سائد آنذاك, اختارت الانطلاق نحو العالم الخارجي بحثاً عن مغامرات جديدة ومجهولة.
باعتماد اسم مستعار هو ذوكاس يونانوس "Doukas Ioannes" وذلك لإخفاء جنسها الحقيقي خشية التعرض للعقوبات الاجتماعية والقانونية الصارمة المنافية لقوانين عصرهما المتشددة، سارعت بتكوين فريق مساند لها وكان معظم افراد طاقمه هم عبيد سابقون تحررتهم مؤخراً مما منحهم حافز كبير للتلاحم حول قائدهم الجديد بغرض تحقيق هدف مشترك وهو التمرد ضد الظلم الاجتماعي والكراسي الفاسدة للحكومة المركزية حسب اعتقادهم حينذاك. انطلق هذا الفريق المؤلف أساسا من مجموعه خمس عشرة فرد صوب مدينة القسطنطينية القديمة(إستانبول حالياً) وعلى متن سفينة صغيرة الحجم مناسبة جدا لأنواع المياه المضطربة والمعروفة باسم غاليوت\u2116 Galley . ابتدء بهم رحلتهم الطويلة محفوفة بالمخاطر نحو الشرق البعيد ولم تكترث لأحد أثناء مرورهما بأخطار محتملة مثل سرب أسراب كبيرة من المرتزقة البربريين المنتشرين طول ساحل آسيا الصغير بالإضافة إلى المجازفين الأشرار المعتادين على خطف المسافرين الآتين بالسفن التجارية الصغيرة وجمع فدية مقابل الافراج عنه ، غير مراعية للسير خلف التجوال الاعتيادي لفترة طويلة حتى وصلوا الى نقطة نهائية تتمثل بشمال غرب تركيا الحديث الآن قرب منطقة اسكي شهير الحالي واستثمروا فرصة وجود قوة ضعيفة للدفاع المدني هناك ومن ثم اقتحموا حصنا دفاعيا فاكتسبت منهم معلومات مهمة متعلقة بنقاط ضعف خصومهم الرئيسيون وهناك أيضاً تلقت بعض الدعم العامودي والساعد الإنساني من سكان المحليين وداعمي قضيتها المشروعة ضد نظام الحكم الشمولي القائم والذي رأوا فيه ظلماً واضحاً يحاول فرض ارادته بالقوة والحصار الاقتصادي عليهم جميعاً! وبفضل براعتها القيادية وحسن توظيف موارد البشر الطبيعية المتاحة بما يناسب طبيعة ميدان الوغى وما يتميز بها الموقع نفسه , تمكنت بطولات افروديتو وشجعان بحّرتها المؤثرين حق الحصول علي دعم شعبي واسع انتشار دفع بالحكام المعارضين للاستسلام أخيرا وقد أدى الامر بصورة مباشرة لسحب قوات الجيش الرئيسية نظرا للإصابات والخسائر الناجمة عنها فضلا عن هروب عدد آخر ممن كانوا يقيمون داخل المنطقة آثناء حصول مواجهةDIRECT وسريعة دامت عدة أشهر قبل الحل النهائي المنصف والصائب وفق تقدير الجميع لاحقا...يبدو أنها قصتنا رائعة تستحق الكثير من الاكتشافات الجديدة كل يوم لنا ولكافة المهتمين بدراسة التاريخ القديم خصوصا فيما يتعلق بالنضالات الجنسية البديلة وغير المرغوبة اجتماعيا ولعل مثال حياة ونضالات هذه الشخصية المثبت مبشر بلحظات مُقبلة مليئة بالتقدم نحو مجتمع عالمي متساوي فرص تسوده العدالة الاجتماعية بلا حدود!
وفي نهاية المطاف رغم عدم معرفتنا كثير تفاصيل حياتها عقب انتهاء حملتها الثورية إلا أنه يمكن اعتبار تجاربها علامة فارقة مميزة ضمن كتاب خلد ذكر نساء عربيات رائعات ترك أثراً مهماً على مجريات عصر ما قبل ظهور الإسلام حديثاً وفي الوقت ذاته مقدمة ممتازة لما سوف يحدث بعد سنوات قليلة عندما سيحتفل العالم العربي بطريقته الخاصة بفجر النهضة الثقافية والفكرية الكبرى الموازي لاتخاذ القرارات العلمية الحديثة المؤسسية المصاحبة لنشوء دول متحضر جديد يعلو فوق مختلف الطبقات الأخرى المستضعفة والأقل ثراء مقارنة بنظام ديمقراطي مطلق وهادف نحو بناء دولة راسخة ومتجدده دائما بفعل حرية الرأي المكفولة لكل فرد بغض النظرعن جنسه او أصله العائلي المحصور السابق الذكر....
