تقع مدينة "جدة"، والمعروفة أيضًا باسم عروس البحر الأحمر، جنوب غرب المملكة العربية السعودية وهي واحدة من أهم المدن السياحية والتجارية فيها. لكن لماذا تحمل هذه المدينة العزيزة هذا الاسم الجميل؟ يعود تاريخ تسمية جدة إلى العصور القديمة ويحمل معاني متعددة مرتبطة بتراثها الثقافي الغني وتاريخها الطويل. ففي اللغة العربية، كلمة "جدّة" تعني القوة والقوة الصلبة، وهو ما يمكن ربطه بموقع المدينة الاستراتيجي عند مصب وادي كُدَا، مما جعل منها مركزا تجاريا هاما منذ القدم. بالإضافة إلى ذلك، هناك رواية تقول إن الاسم مستمد من النبي إسماعيل عليه السلام الذي سمي بجدة قبل ولادته بحوالي ثلاثة آلاف سنة حسب بعض الروايات الدينية الإسلامية.
وفي العصور الإسلامية الأولى، كانت جدة تعد نقطة عبور رئيسية للحجاج الوافدين من اليمن ومصر والصومال وغيرها من البلدان الأفريقية والعربية للسفر براً أو بحراً نحو مكة المكرمة لأداء فريضة الحج أو الزيارة. وقد ساعد موقعها البحري الفريد على ازدهار التجارة بين الشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا عبر مينائها المترامي الأطراف والمزدحم بالسفن التجارية التي تحمل البضائع الثمينة مثل التوابل والحرير والأقمشة الفاخرة والبخور. كما أنها شهدت العديد من الفتوحات الإسلامية الهامة بما فيها فتح مصر تحت قيادة عمرو بن العاص عام 641 ميلادية.
ومع مرور الوقت، اكتسبت جدة مكانة بارزة كميناء حيوي ونقطة انطلاق للبعثات العلمانية والدينية. فأصبحت محطة مهمة للمستكشفين الأوروبيين الذين رحلوا لاستكشاف العالم الإسلامي وخليج العرب خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين. وفي الآونة الأخيرة، برز دور جدة بصورة ملفتة كوجهة سياحية عالمية تقدم باقة متنوعة من المعالم السياحية والثقافية والفنية والترفيهية بما يشمل شاطئ كورنيش جدة الشهير ومتحف الفن الحديث ومتاحف أخرى عديدة ومعارض متنوعة توضح ثراء تراث المدينة وتطورها العمراني المستمر.
ختاماً، فإن اسم "جدة"، وإن كان بسيطًا ظاهرياً، إلا أنه يحمل حكايا كثيرة ومتنوعة تعكس تشابكات حضارية وثقافية وروحية غنية تمتد لآلاف الأعوام والتي تساهم اليوم في إبراز هويتها الخاصة وفرادتها وسط مدن المنطقة. إن فهم سبب تسمية تلك المدينة المفعمة بالحياة يفتح أبواباً جديدة لفهم جمال تاريخها وصقل حاضرها النابض بالأحداث والبصائر الجديدة دوماً.