في تلك الغرفة الصامتة، اختفى صوت الأم المفاجئ وسط هدوء مريب، بينما خرج الابن مسرعًا وكأن مشاعره لا تحظى بأدنى اهتمام. هذه المشاهد المتكررة أصبحت روتينًا مؤسفًا يعكس ثقل العلاقة بين الحنان والأنانية.
حياة الابن تتغير بشكل جذري عندما ينطلق نحو آفاق جديدة من التعليم والمعرفة عبر المنحة الدراسية الخارجية ثم الزواج والسعادة. ولكن يبدو أن سعادته جاءت على حساب روابطه العائلية التقليدية، خاصة مع والدته التي ظل يشعر أنها عبء بدلاً من كونه مصدرا للحماية والحب.
مرت السنوات بسرعة، وبينما كان الابن يتمتع بحياة مستقرة وممتدة جغرافيا، قررت الأم زيارة منزل الابن لرؤية الأحفاد وللشعور بالحنين إلى الماضي. لكن اللقاء لم يكن كما توقعت؛ فالطفولة الجميلة لدى الابن تحولت إلى سوء فهم وخوف واحتقار من جانب أولاده الذين لم يعرفوا قيمة الحب الكبير الذي قدمته لهم جدتهم. حتى الابن نفسه انفعل وسارع بطرد والدته من المنزل خشية تأثير وجودها السلبي على أسرته الجديدة. اختارت الأم مغادرة المكان بخجل ودموع مستترة تحت هيبة الرحيل.
ومع مرور الوقت، وبعد سنوات طويلة، قاد القدر الابن مرة أخرى إلى المدينة ذاتها التي نشأ بها مع والدته. وهناك اكتشف خبر وفاة والدته المؤلمة، والذي لم يستثير دموعه ولا حتى شعورا بسيطا بالحزن. ومع ذلك، جاء حدث غير متوقع لتغيير وجهة نظره نحو حياة الأم التي تركها خلف ظهره منذ مدة طويلة.
سامحه أحد الجيران السابقين في حيهم القديم بإعطائه مظروف يحتوي رسالة مكتوبة بخط يد الأم العزيزة عليه وعلى قلبه الآن أكثر من أي وقت مضى. الرسالة تحمل اعترافات عميقة تكشف سرًا احتفظت به الأم لنفسها لعقود، وهو تضحية نادرة لشخصيتها الأنثوية الرقيقة والمخلصة للغاية.
"لقد أحببتك كثيرًا يا بني، وطموحي الأكبر هو رؤية أسرتنا الصغيرة محاطة بك هنا في بيتي المهجور حاليًا بسبب وحدتي القاسية." تابعت الأم قائلة: "لكن هناك دائمًا ألم واحد لم أخبره لأحد قط - الألم الذي شاركناه أنا وأنت يوم تعرض أبيك لحادث مروري مميت أدى لفقدانه وعينك اليمنى أيضًا! شعرت برعب شديد تجاه المستقبل المرعب أمام ناظريك وحياتك المقبلة بلا عين كاملة مثل الآخرين الذين ربما سخروا واستهزأوا بصورتك المختلفة قليلا... لذلك فعلتها بنفسي..."
وفي النهاية كتبت: "...تبرعت بعيني لي".
رسالتها الأخيرة جعلت نبضات قلبه ترتفع وشعوره بالندم يغمره بحرقة. لقد فهم حق المعنى لمعنى الكلمات الموجودة داخل ذاك الصدفة البيضاء البسيطة: ضحايا الحب والإيثار الأولياء هم الآباء وأطفالهم أيضاً..