"ثورة الفلاحين"، وهو عمل درامي مؤثر يُعيد الحياة للأحداث التاريخية في لبنان خلال النصف الأخير من القرن التاسع عشر، ويُسلط الضوء على الصراع بين الأغنياء والقويين والفئات المهمشة. يصور العمل، المنتَج عام 2018، حياة قرية ريفية تقليدية حيث تتمتع عائلة نبيلة تُسمّى "نسر" بمكانة متميِّزة وسيطرة غير محدودة على سكان البلدة الفقراء الذين يعيشون ضمن ملكيتها العقارية الواسعة.
تصوير هذا المسلسل الواقع المؤلم لحياة أواخر القرن التاسع عشر يجسد بشكل حي حقبة زمنية شهدت تغيرات اجتماعية وثقافية عميقة. يتم التركيز بصورة خاصة على دور النساء تحت نظام الذكور القمعي آنذاك؛ إذ تقدم شخصيتان رئيسيتان - لميس (ورد الخال) ومونتورة (إيمي صايح) - أمثلة بارزة لقهر المرأة وكبت حقوقهن الإنسانية. تعرض الأولى سوء معاملة داخل بيت أبيها بينما تمارس الثانية أعمال العنف الجنسي بحقها من طرف أحد أفراد العائلة المتنفذة.
في الوقت نفسه، توضح الدراما كيف تولد الثورات عندما يصل الاستغلال والإذلال للنقطة القصوى. في سابقة حدثت بالفعل منذ قرن مضى، يتجمع الفلاحون ضِد آل نصر بسبب طغياناتهم وظلامتهم المستمرة. وينمو شعور الانتفاضة لدى الشعب ليصل ذروته برؤية قيادة جديدة قادمة عبر شخصية نورس (وسام حنّا)، الشخصية المحورية التي تهندس تحولا جذريا نحو العدالة الاجتماعية بناءً على شروط واضحة لإعادة الحقوق لأصحاب الأرض deprived الأصل.
إلى جانب موضوعاته الثقيلة والمعبرة، يعد مسلسل "ثورة الفلاحين" إضافة فريدة لساحة إنتاج الأعمال العربية نظرًا لنجوميته وقدرته على نقل مشاهديه لعالم غابر بطريقة واقعية وجاذبية عالية. مع وجود نخبة مميزة من نجوم الشاشة الصغيرة مثل ورود الخال، باسم مغنية وكارلوس عازار وغيرهم ممن شاركوا بإبداعاتهم الفنية في تحويل الرواية المكتوبة على الورق للحقيقة المشخصة أمام جمهور واسع المدى عربياً وعالمياً بما يفوق حاجز اللغة حاليًا وذلك نتيجة ترجماته العالمية الناجحه مؤخراً والتي وصلت حتى الآن أكثر من ثلاثين دولة مختلفة منها الصين وألمانيا وإيطاليا وغيرهما.
وقد جاء عرض أول مرة للحلقات الثلاث والأربعون كافة عبر شبكة تلفزيونية معروفة وهي قناة LBCI اللبنانية الشهيرة مما اكسب العمل نسبة مشاهدة مرتفعه جدًا جعلتها رقم واحد ضمن تصنيف الترند العالمي لفترة طويلة أثناء عرضه الأول والذي أدى أيضًا لتحقيق أعلى مستوى تقديري بلغ ثمانية درجات ونصف فقط! ويعكس هذا الرقم ثقل المضمون والتقنية المستخدمتين لتوضيح جوانبه المختلفة بالإضافة للتقييم المرتفع جدا لما قدَّمه الفريق الإداري للإنتاج سواء بالمراسيم المرئية او الصوتية او الموسيقية المصاحبة للأحداث الدرامية المختلفة والتي قام بها مخرجون موهوبون واستديوهات سمعية بصرية رائده وممثلات ومعيد تمثيل قصص الأمجاد القديمة ببراعة شديدة.
وفي النهاية يمكن اعتبار فيلم "ثورة الفلاحين" وليدا ذا عمر قصير ولكنه مهم للغاية يستحق الشكر والتقدير لكل الطاقم العاملة فيه والتي بفضل جهودها جمعت القدر الكبير من الحب والكراهية داخلك أثناء مشاهدتك لسرد مفعم بالحكايات الاجتماعية والعاطفية والشخصيات التاريخية الجديرة بالتذكر دائماً مهما مر عليها الزمان مرور الرصاصة علي جلد النمر!
