يعود الفضل إلى المخترع الإيطالي بارتولدي (Bartolomeo Cristofori) في ابتكار الآلة الموسيقية الرائعة التي نعرفها اليوم باسم "البيانو". هذا الاختراع الثوري حدث خلال القرن السابع عشر، تحديدا بين عامي ١٦٩٨ و١٧٠٠ تقريبًا، عندما كان يعمل كمهندس آلات موسيقية لدى عائلة ميديشي الثرية في فلورنسا بإيطاليا.
كان هدف بارتولدي الرئيسي هو تطوير نسخة أكثر تحكمًا ودقة من القيثارة الباروكية. بعد سنوات طويلة من التجربة والتطوير، نجح في إنشاء جهاز جديد يسمى Gravicembalo col piano e forte - وهو الاسم الأول للآلة التي ستصبح البيانو فيما بعد. لقد جمع هذه الآلة بين ميزات كلتا الآلتين هما القيثارة والبافلوسون، مما سمح للموسيقي بتغيير مستوى الصوت عبر ضغط وتخفيف الضغط على مفاتيح لوحة المفاتيح. وقد مهدت فكرته الجديدة الطريق أمام العديد من التعديلات والإضافات الأخرى والتي أدت بدورها إلى ظهور أنواع مختلفة من هذه الآلة الشهيرة مثل البيانو المعاصر.
في بداية الأمر، لم يكن البيانو شائعًا بشكل كبير خارج إيطاليا؛ ومع ذلك، فقد ولّد اهتماماً ملحوظاً عند سفره إلى بافاريا وألمانيا حيث بدأ مشاركته مع الجمهور العالمي الحاضر آنذاك. هنا، جذب انتباه جورج ليبنر، أحد أشهر تجار الأدوات الموسيقية في أوروبا وقتها، والذي ساعد في نشر شهرة الجهاز الجدد بسرعة كبيرة. وبعد فترة وجيزة، نال تقدير وانتشار واسعين خاصة بعدما استخدمه يوهان سباستيان باخ، إحدى أهم شخصيات عصر الباروك الموسيقي، فأثنى عليه بكلماته المدوية "الحمد لله!" والتي اعتبرها الكثيرون رعاية رسمية لهذه الصناعة الناشئة.
ومن الجدير ذكره أيضا أنه رغم كون فكرة تعديل الصوت مرتبط بمفتاح واحد أول مرة اقترحت من قبل كريستوفوري إلا أنها اكتسبت شعبية حقيقية فقط حين طور جون برامز نظامًا مبتكرًا لتقسيم أصوات الأوتار حسب ترتيب الطبقات المختلفة وذلك باستخدام ثلاث مجموعات متوازنة للأوتار داخل الجسم الواحد لكل مفتاح فردي، مما زاد من تنوع النطاق الديناميكي للجهاز النهائي.
وبذلك يمكننا القول بأن مساهمات بارتولدي وبرامز المشتركة جعلت البيانو كما نعرفه الآن متكاملا ومتطورًا بما يكفي ليصبح واحداً من أكثر الأدوات تأثيراً ورواجاً عالمياً طيلة قرنين ونصف قرن منذ ظهوره لأول مرة حتى يومنا هذا!