في النص الأدبي "كليلة ودِمنَة"، يبرز لنا المؤلف ديوانيجي بحكايتين تأسران الذهن وتُعلنان دروساً عميقة حول الخداع والحذر. الحكاية الأولى تُسلط الضوء على ذكاء الحيوانات واستخدامها الاستراتيجي للخداع لتحقيق مصالحها الذاتية. بينما توضح الثانية عواقب الغباء وعدم التروي لدى بعض الأفراد الذين قد يُستغلون بسهولة.
تبدأ القصة الأولى بذكاء الثعلب، الذي يقنع الكنغر بأنه يستطيع مساعدته في العثور على زوجة جميلة في الجبال المرتفعة. بعدما وصل الاثنان إلى قمة جبل شديد الانحدار، يأمر الثعلب الكنغر بالتسلق أولاً، وبينما يسعى الأخير لتحقيق هذا الأمر، يقوم الثعلب بكل هدوء بخلع حذائه ومواصلة الرحلة وحده. عند رجوع الكنغر جائعا ومنهوكا للقمة مرة أخرى، يفاجأ بأن صديقه ليس هناك، ويجد نفسه محاصرا بدون طريق للهبوط. هنا، يدرك مدى غبائه وثقة زائدة في الآخرين جعلته فريسة سهلة للمحتال.
أما الحكاية التالية فهي تحكي عن رجل بسيط يسمى "المغفل". يعرض عليه أحد المحتالين مبلغاً كبيراً مقابل مساعدة الأخير بالحفاظ على سر ما لمدة ليلة واحدة فقط. بمجرد الموافقة، يتم إعطاء المغفل صندوق خشبي مليء بالأوراق الثمينة التي يمكن بيعها بثروة هائلة إذا اكتشف الجميع وجودها داخل الصندوق. لكن، قبل حلول الليل مباشرة، يغادر الرجل محتالا خلسة تاركا المغفل مرتابا وخائفا للغاية من فتح الصندوق بنفسه. طوال تلك الليلة الطويلة المضطربة، ظل المغفل مستيقظا، متخيل الأخطار المحتملة والتكهنات بشأن ما يوجد فعلاً داخل ذلك الصندوق. وفي النهاية، قرر أنه لن يخاطر بفقدانه كل شيء بسبب فضوليه الزائد. وهكذا تمكن المحتال من خداع شخص آخر بكل سهولة نتيجة عدم قدرة الشخص المغفل على التحكم برغبته ومعرفة حدوده.
وفي النهاية، فإن هذه القصص ليست مجرد سرد للأحداث فحسب؛ بل هي تعليمات واضحة للحياة. يقدم الكتاب عبرهما توجيهات نحو ضرورة الوعي الدائم والتفكير المنطقي حتى نتمكن من تجنب الوقوع ضحية للاحتيال والاستغلال المتكررة. إنها دعوة للتوازن بين الفضول والعقلانية مع التركيز دائما على أهمية اتخاذ القرارات المدروسة بدلا من التعامل بشكل عشوائي مع المواقف الجديدة والمجهولة.
