الصراع بين الالتزام بالتقاليد والأدوار الجديدة: رحلة الدكتور إسماعيل في رواية 'قنديل أم هاشم'

تدور أحداث رواية "قنديل أم هاشم" للكاتب المصري الكبير يحيى حقي حول الصراع الداخلي للدكتور إسماعيل، الشاب المثقف الذي حصل على درجة الطب في الخارج ثم عا

تدور أحداث رواية "قنديل أم هاشم" للكاتب المصري الكبير يحيى حقي حول الصراع الداخلي للدكتور إسماعيل، الشاب المثقف الذي حصل على درجة الطب في الخارج ثم عاد إلى وطنه ليواجه تحديات ثقافية واجتماعية عقب رؤيته لحادث مؤسف لإبنة عمه بسبب استخدام وسائل تقليدية غير علمية لعلاج مشاكل الرمد في العيون.

يبدأ الفصل الأول بكشف الدكتور إسماعيل للحقيقة المريرة بشأن استخدام قطرات العين المعدّة من مواد دينية اعتقد الناس أنها مقدّسة ومنقذة لهم مما أدى لشلل جزئي بمقلتي الفتاة الصغيرة. كانت مفاجأة صادمة له عندما اكتشف مدى تبجيل أفراد مجتمعه لهذه الممارسات والتقاليد القديمة دون أي تحفظ أو مراعاة للعقلانية والطب الحديث.

بعد افتتاح عيادته الخاصة بساحة السيدة زينب الشهيرة بالقاهرة، بدأ يشهد حالات عديدة مشابهة لما تعرضت له ابنة عمه. هنا بدأت المعركة الفكرية للتغيير لدى الدكتور إسماعيل؛ حيث اتضح له ضرورة الجمع بين معرفته الأكاديمية وثقافة المنطقة المحافظة التي نشأ فيها. قرّر الدكتور إسماعيل مواجهة الواقع بطريقته الفريدة من خلال كسر القنديل المقدس أمام المرضى والمعارف الذين رأوا فيه عملًا ضد دينهم وحسن نياتهم الخيرية.

ومع ذلك، أثارت هذه الخطوة غضب المقربين منه وزادت عزلة الشخصية الرئيسية داخل البيئة الاجتماعية الضيقة والمترسخة معتقداتها الدينية بشكل تشددي. ومع مرور الوقت، وجد الدكتور إسماعيل نفسه وسط جدالات مستمرة حول مكانة الدين والحفاظ عليه مقابل تقديم خدمات طبية ضرورية باستخدام طرق أكثر تطورا مثل علوم الطب الحديثة.

وفي ذروة الأحداث، تنقلب الموازين حين ينجح الدكتور إسماعيل اخيرا بمساعدة إحدى النساء المسنات تدعى فاطمة ذات الأعين المنكمشة نتيجة سوء العلاج السابق تحت تأثير خرافات محلية مضللة. كانت خطوتها الأخيرة نحو المصالحة تتمظهر بإعادة تقديس القنديل مرة أخرى لكن ضمن حدود منطقية جديدة تؤكد قوة التدين مع حرصه على الابتكار الطبي المستدام.

وبهذا تتوالى الرسائل الثقافية والفلسفية عبر شخصيات الكتاب المختلفة لجذب الجمهور بفكرة توفيق القديم بالجديد بما يحقق توازن حياة الإنسانية بغض النظرعن موقعها الجغرافي أو مستوى تقدمها الاقتصادي والثقافي. إنها دعوة للاستيعاب الذكي للتاريخ وتقبل آفاق المستقبل بدون تكفير تاريخ الماضي ولا اغفال دور العقائد الروحية لصالح تقدم تكنولوجي مطلق.


بدرية بن ناصر

10 مدونة المشاركات

التعليقات