تأتي رواية "نجل الفقير" للمبدع مولود فرعون كشهادة شعرية ومفعمة بالألم والبؤس تجاه واقع شعبٍ عانى كثيرا بسبب احتلال مستدام دام لعقود طويلة. تخوض هذه الرواية الأدبية عميقة الجذور في واقع المجتمع الجزائري قبل وبعد حرب التحرير الوطنية، وتعكس صورة صادقة لحياة الرجل القبلي وكيف يشكل له الفقر والمعاناة بداية صراع مرير للوجود في وجه الحياة بكل جبروتها.
ولد بطل الرواية مثل المؤلف نفسه سنة ١٩١٣، وسط أحضان الطبيعة الخلابة لجبال ولاية تيزي وزو شمال البلاد. منذ البداية، يُظهر الشاب ابنُ الفقير عزماً راسخاً على مواجهة المصاعب والمآسي التي واجهته أثناء نشأته. رغم عدم توافر الدعم المالي اللازم للدراسة، ظلّ فورلو متمسكاً برغبته الملحة في تحصيل العلم والفكر الحر مما جعله يسلك طريق المدارس الابتدائية ثم الثانوية عبر اكتساب معرفة اللغة الاستعمارية -الفَرَنْسية-.
تحكي أحداث الكتاب قصة صعود فورلو الروحي والجسدي داخل بيئة اجتماعية قلِقَّة ومتقلِّبة تحيط بها ألغام الغربة الثقافية والشعور بالنقص وضعف الإمكانيات المالية. ومع ذلك، فإن إيمانه العميق بأن قدر الإنسان هو أن يبقى شامخاً مهما بلغت وطأة الألم والدونية، قادَه نحو تحقيق ذاته وإرساء هويته الخاصة المبنية على الأصالة والعزة والكرامة الإنسانية المشتركة بين أبناء جلدته الذين تغلغل بين صفوفهم أيضاً روح الانتماء الوطني الواحدة.
تنطوي صفحات العمل الأدبي الرائد لسرد تفاصيل يومية يومضيء أيام حياة سكان تلك المناطق النائية المحاطة بنظرة استعمارية شمولية صفرية للقيمة البشرية والحريات الأساسية لكل فرد بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية المقيدة آنذاك. إنها رسالة مؤلمة لكنها مدروسة جيداً عندما تسلط الضوء بشكل واقعي ومباشرعلى الحقائق المؤلمة في فترة سوداوية مليئة بالقهر والاستلاب والتجريد من الهويات المدنية والأهلية لكل واحد منهم كمواطنين حقوقيين لهم القدرة على صنع القرار الخاص بهم وبحياتهم اليومية وطريقة تأمين لقمة العيش كريمة. إن التأثير النفسي لهذه التجارب المتمثلة بالحاجز العقيدي والخوف المستمر من الفشل غارقٌ في التفاصيل الصغيرة لأفعال وأحاديث وشخصيات مختلفة لكنها تجمعهما رابط مشترك وهو اشتراكهم فيما يسمى "شعور السلبية الداخلية المنفرة داخليا وخارجيا" والتي تعد نتيجة منطقية لأنظمة سياسة فرضت نفسها عليهم قهرًا وخلفتهم بلا سلاح سوى سلاح الشخصية الأقسى وأكثر قوة وصمود للفجيعة.
توفر لنا رواية "نجل الفقير" رؤية ثاقبة لما قد تشهد عليه الأحرار حين يقارعون أقسى الظروف إذ يجاهدون لاستعادة عقولهم واستقلالهم الذاتي مُستعينين فقط بما لديهم من حس أخلاقي سامٍ لرفض التسليم لمنطق الاحتلال غير الشرعي المتحكم بالممتلكات العامة والإنسانية الرخيصة. إنه تكريم لفكرة النضال الداخلي كما أنه اعتراف جميل لتقاليد المرونة والتكيف عند المواطنين الأفراد وهم يؤكدون على حقهم الطبيعي في ترسيخ جذور ثقافتهم وحماية تراث آبائهم وجدودهم القدماء ضد كل الآثار المدمرة للإرث الأوروبي التدخلات المجحفة طوال القرن العشرين وما قبله مباشرة. فهي دعوة للتذكر وللقراءة وفهم تاريخ بلداننا بصورة أكثر دقة ودون أي مجاملة للعوامل الخارجية المسيطرة سابقًا والذي بات منها الآن مجرد ذكرى بادية المعنى لكن تبقى آثارها واضحة مثل أثراً لغروب الشمس فوق أجواء بلاد المغرب العربي