في الدين الإسلامي الحنيف، يعتبر بر الوالدين وصلة الأرحام من الفرائض المحورية التي أكد عليها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. هذه الواجب ليس فقط جزءاً أساسياً من العقيدة الإسلامية، ولكنه أيضاً يعكس قيم الرحمة والتواصل والعطاء داخل المجتمع المسلم. إن صلة الأقارب ليست مجرد فعل بسيط، بل هي ركيزة أساسية للحفاظ على روابط العائلة وتعزيز التماسك الاجتماعي.
القرآن الكريم يدعو إلى البر بقوله تعالى في سورة الإسراء الآية 23: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا". وفي سورة النساء الآية 36، يأمر الله سبحانه وتعالى بتقديم الخير للأهل والأرحام قائلاً: "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى وصاحبي الجوار". هذا الأمر واضح ومباشر بشأن أهمية ارتباط المسلمين بروابط عائلتهم وأقاربهم.
من الناحية العملية، يمكن تحقيق وصلة الرحم بعدة طرق مختلفة. أولها الزيارة المتكررة للأسرة والمشاركة في المناسبات الخاصة بهم سواء كانت أفراح أم أحزان. كذلك تقديم الدعم المادي والمعنوي عند الحاجة، كما ورد في الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة مرفوعاً: «بَانَ لِي بيتٌ في الرَّضْوَانِ فلا أدري ما هو فأُخبِرت أنه قوله عز وجل: وَتَصِلُونَ مَا آمَرْتُم بِهِ». وهذا يشير إلى مكافأة عظيمة لمن يقوم بسلوكيات مثل التضامن مع أقاربه وصلة رحمه.
كما أنها تلعب دوراً هاماً في تحسين الصحة النفسية والعاطفية للمجتمع المسلم. فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الأفراد الذين لديهم شبكة دعم اجتماعي واسعة يتمتعون بصحة نفسية أفضل ويعيشون حياة مليئة بالسعادة والإشباع الروحي. بالإضافة إلى ذلك، تساعد وصلة الأرحام على بناء مجتمع أكثر تماسكا وتعاونا وتشاركا، مما يساهم بشكل كبير في تقليل مشاكل كالتوتر والقلق والحزن بين الأعضاء.
وفي نهاية المطاف، فإن صلة الأرحام ليست فقط واجباً دينياً، ولكنها أيضا شريعة حياتية عميقة الجذور تعتمد عليها العديد من الثقافات حول العالم. إنها رمز للعطف الإنساني المشترك والقوة الأخلاقية التي تجمعنا جميعاً تحت مظلة واحدة من الاحترام والتقدير المتبادلين. فلتكن صلتنا بالأرواح العزيزة عهداً مقدساً نحتفظ به وننميه باستمرار، لأنها بالفعل إحدى أغلى كنوز الحياة الدنيا ولخيريّة خلودنا فيما بعد الموت حسب وعد الرحمن جل وعز.