الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: فإن قصة مقتل الصحابي الجليل سعد بن عبادة على يد الجن هي قصة مشهورة في كتب السير والتاريخ، ولكنها بمقاييس أهل الصنعة من أهل الحديث لا تصح. فقد جاء في التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل -تعليقًا على ما روي من أن سعد بن عبادة بال في جحر بالشام ثم استلقى ميتًا- ما نصه: (لا يصح، على أنه مشهور عند المؤرخين، حتى قال ابن عبد البر في " الاستيعاب" (2/37): "ولم يختلفوا أنه وجد ميتًا في مغتسله قد اخضر جسده" ولكني لم أجد له إسنادًا صحيحًا على طريقة المحدثين، فقد أخرجه ابن عساكر (ج7/63/2) عن ابن سيرين مرسلًا، ورجاله ثقات. وعن محمد بن عائذ، ثنا عبد الأعلى به، وهذا مع إعضاله فعبد الأعلى لم أعرفه) اهـ.

وعلى الرغم من عدم صحة هذه القصة من الناحية الحديثية، إلا أن السلف كانوا يتساهلون في حكايات السير فيحكونها مع ضعف أسانيدها، وقد ذكر هذه القصة كثير من الفقهاء في كتبهم. أما كيفية قتلهم له فقد ذكر العيني في شرح البخاري أنهم أصابوه بالعين.

ومن المهم أن نلاحظ أن هذه القصة لا تتعارض مع القرآن الكريم الذي يؤكد أن الجن لا سلطان لهم على المؤمنين، حيث يقول الله تعالى: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا" (الحجر: 42). فالمؤمن الذي يحافظ على أذكار الصباح والمساء وغيرها من الأذكار يحفظ نفسه من شر الجن والشياطين.

وفي النهاية، يجب أن نذكر أن هذه القصة لا تقلل من مكانة سعد بن عبادة رضي الله عنه، فهو أحد الصحابة الكرام الذين شهدوا بدراً وأحد قادة المسلمين في غزوة الخندق. والله أعلم.