في لحظة فارقة من الزمن، بينما كانت الشمس تغرب فوق مدينة مكتظة، وجد رجل نفسه عالقا في نفق ضيق. توقفت سيارته المفاجئ أدخله عالم الألم والمجهول. بنظرة سريعة حول المكان الفارغ تقريباً، قرر التحقق مما حدث لعجلاته. ولكن القدر كان له رأيه الخاص.
في ذلك الوقت البائس تحديداً، مرّت سيارة بسرعة خاطفة ولم تتكبد أي مشكلة في الاصطدام بهذا الشخص الضعيف. وقع الضحية أرضاً، مستسلماً لإصابات غادرة. ومع ذلك، فإن رد فعله الأول لم يكن تحديث الواقع المرير أمامه؛ بل كان التوجه نحو تصحيح حالته الروحية قبل الدنيا.
بينما حمل عمال إنقاذ الطريق المؤسف هذا إلى المستشفى، اكتشفوا أمرًا خارقًا للإنسانية. على الرغم من الألم والمعاناة الواضحة عليه، كان الشاب يبتهل ويتهممه بكلمات مكنونة لم يفهموها تماماً. فقط عند سماعه يردد آيات كريمة من القرآن الكريم فهموا رسالة روحه النقية.
مع اقترابه أكثر من الموت بكل ثبات ملحوظ، ارتسمت ابتسامة هادئة على وجه الشاب وهو يؤكد شهادته الأخيرة. هنا بدأت كلمات الأناجيل تنبض بالحياة مرة أخرى: "إني ذاهب لأعدك مكانه." لقد رحل بطريقة هزت قواعد حياة الآخرين - ولأسباب تستحق الوقوف والاستماع لها.
بعد الوصول إلى المستشفى والإعلان عن وضع الشاب الحرجة للغاية، انتشر خبر وجود شخص مميز بين المرضى. سرعان ما تعرف المحزونون الذين تجمعوا حول غرفة التعافي بالأعمال الخيرية العديدة لهذا الإنسان المبارك خلال حياته القصيرة ولكن الغنية بالإنجازات الإنسانية والعاطفية.
كان معروفاً بأنه يقدم يد العون لكل محتاج، سواء كانوا فقراء يعيشون ضمن مجتمعه المحلي أو حتى كبار السن الذين يحتاجون لرعاية خاصة خارج مدينته الأم. كما اهتم بشكل خاص بالأيتام والأرامل والجرحى النفسيين ممن قد يعتبر البعض صعباً عليهم الاعتناء بهم.
لم تكن أعمال البر هذه مجرد عروض تمثيلية أمام الناس للحصول على الثناء والثروات، بل كانت جزء أساسي من حياته اليومية - مثل تناول وجبتين للأكل وشرب كوب من الماء. أصبح الليل بالنسبة له فرصة للتحديق في صفحات كتاب الله المقدس وقلبه مليئ بالسعادة والفخر لما قدمه للجماعة البشرية الصغيرة ولكل نفس موجودة هناك تحت سقف السماء الرحيم الملآنهبركات رب العالمين.
هذه القصة ليست مجرد رواية تاريخية سردتها صفحة مجلدات كتب التاريخ القديمة أو الحديثة، وإنما هي درس حي يمكن الاستفادة منه بتطبيق بعض جوانبها المثالية لنكون جميعَُا أقرب لقضاء وقت أفضل بين صفوف أهل الجنان وصفوة الملائكة والصالحين المقربين لداعي الإنسانية والدينيّة السامية. دعونا نتذكر دائمًا بأن أفعالنا اليوم ستترك علامات واضحة وغائرة في ذاكرتنا الخاصة وسيكتبها لنا عالم آخر ليس فيه مجال للاختباء داخل الظلال الثقيلة ولا وجود للغضب والكدر والتضييق...فهذا هو وعد الرب الذي وعد عباده الصابرين!