تعدّّ حركة الهجرة لدى الطيور أحد أكثر الظواهر الطبيعية إثارة للإعجاب والعجيبة في العالم الحيواني. هذه الرحلة السنوية الجماعية التي تقوم بها العديد من أنواع الطيور هي ظاهرة بيولوجية معقدة ومتكاملة تحتاج إلى بحث مستفيض لفهم دوافعها وأسرارها.
في جوهر الأمر، تُعتبر الهجرة استراتيجية ناجحة تطورت لديها بعض الأنواع كوسيلة للبقاء والتكاثر. تبدأ هذه العملية عادةً عندما تشهد المناطق الاستوائية -حيث تنشط معظم طيور العش الصيفين- تغيرات موسمية تؤدي لتقلص الغذاء المتاح. رداً على ذلك، تتجه مجموعات كبيرة من هذه الطيور نحو الشمال باتجاه القطب الشمالي للاستفادة من وفرة الأغذية خلال فصل الربيع والصيف القصير هناك.
تعتمد نجاح عملية الهجرة بشكل كبير على نظام تحديد المواقع الضخم الخاص بكل نوع من الطيور. يتمتع كل فرد بمجموعة محددة جيدا من القدرات الحسية بما فيها البصر والاستشعار المغناطيسي والذي يساعدها على التنقل بين المسافات الشاسعة باستخدام مجموعة متنوعة من النجوم والكوكبات والمعالم الأرضية كمؤشرات مرجعية.
بالإضافة لذلك، تلعب البيئة دور حيوي أيضاً في تهيئة طريق مناسب لهذه الانتقال الموسمي الكبير. توفر النباتات المحلية الغذاء اللازم بينما تعمل الأشجار والأنهار والبحار والقنوات البحرية الأخرى كنقط دعم وتوقف مهمة أثناء رحلة الهجرة الطويلة. حتى المناخ يلعب دوراً؛ فالحرارة المعتدلة تساعد الطيور في التحكم بنفقاتها الحرارية والحفاظ على الطاقة.
من الجدير بالذكر أنه رغم الفوائد الواضحة للهجرة، إلا أنها ليست خالية من المخاطر أيضًا. فهي تعترضها مخاطر طبيعية مثل الصيد غير القانوني والفقدان التدريجي للموئل والإشعاع الكهرومغناطيسي الصادر عن الشبكات الكهربائية الحديثة والتي قد تضلل نظام التوجيه الداخلي عند البعض منها. بالتالي، أصبح فهم ودراسة سلوكيات هجرة الطيور أمر ضروري لحماية هذه الإنجازات الطبيعية الاستثنائية وضمان استمراريتها للأجيال القادمة.